يحتفل المسيحيون الذين يتبعون التقويم الغربي بعيد قيامة السيد المسيح يوم الاحد المقبل، وهو حدث بالغ الاهمية كونه اتى بعد مسيرة آلام وموت سبقت القيامة واعلنت الانتصار النهائي على الموت. لبنان غالباً ما كان يسير على درب الجلجلة في تاريخه القديم والحديث، وهو اليوم في خضم مسيرة الآلام التي يحكى الكثير عن انها ستنتهي بالقيامة، ولكن السؤال هو متى تحلّ هذه الساعة؟ ليس هناك من شك ان الرجاء المسيحي هو عامل اساسي في الوصول الى القيامة وتخطي الصعوبات مهما كان حجمها، والايمان هو مفتاح الرجاء، وهذا هو الفارق الاساسي بين مسيرة السيد المسيح ومسيرة لبنان. فالمسيح وهو الاله المتجسد، كان مفعماً بالمحبة التي جسّدها في كل عمل قام به على هذه الارض، وهو سلّم ذاته بالكامل للآب وترك الروح القدس يعمل عمله من دون اعتراض. ولذلك، لا يجوز التشبيه مع الحالة اللبنانية، فلبنان لا يعتمد على احد ليخلصه لانه بكل بساطة لا يمكنه الايمان والثقة بأحد، فمن هو المخلص المنتظر بالنسبة اليه؟ ان كان الخارج، فالمصيبة كبيرة، لان التاريخ اثبت ان كل الدول الشقيقة والصديقة والحليفة والقريبة، انما دخلت في لعبة المصالح عند التعاطي مع هذا البلد، فأججت الخلافات فيه وفق رغبتها، وعمدت الى تهدئة الامور ايضاً عند رغبتها، لكنها لم تعمد يوماً بصدق وشفافية الى المساهمة في الوصول الى حلول جذرية كفيلة بوضع اسس لا مجال للتغيير فيها لبناء الدولة والمؤسسات، وها هي اليوم تقدّم نفسها على انها "خشبة الخلاص" للبنان فيما هي في الواقع جزء لا يتجزأ من المشكلة.

اما اذا كان الاعتماد على الداخل، فالمصيبة اكبر ولا حاجة للحديث عن الداخل ولاعبيه والرغبة العمياء في ارضاء الخارج على حساب الشريك في الوطن اكان من الطائفة والمذهب نفسه ام لا، حتى ان هذه الرغبة الهوجاء تصل الى حد الادمان لارضاء الخارج حتى الموت، فالتضحية بالذات وبالعائلة وبالوطن تعتبر امراً سهلاً للبنانيين، اذا كان ذلك يعني انتصار الجهة التي يدعمها اللبناني والتي تنتمي بدورها الى رعاية خارجية. وفي الآونة الاخيرة، لم يعد هناك مجال للثقة بالشعب اللبناني نفسه لاحداث الصدمة المطلوبة وقلب الامور رأساً على عقب للبدء من الصفر بارساء الطريق الصحيح لبناء لبنان بعقلية جديدة وروح جديد تتماشى مع المفهوم العام الواجب اتباعه للعيش في دولة حقيقية كاملة الاوصاف.

من هنا، يبدو ان المسار اللبناني غير مدرج على طريق القيامة، على الرغم من ان الله انعم على لبنان بالكثير، ولكن "من خلقك من دونك لا يخلصك من دونك" وفق ما قال القديس اغسطينوس، وليس من السهل ايجاد طبيعة خلابة كلبنان تغنى بها الشرق والغرب، والاهم ان هذا البلد الصغير اثمر قديسين جعلوا اسم لبنان اكبر من مساحة اي بلد في العالم، وتم ذكر ارزه الخالد في الكتاب المقدس... ليس اليأس من شيم المسيحيين، ولكن من غير الممكن الاجابة على سؤال حول قيامة لبنان، طالما ان هدفا محدداً يتجه نحوه، وهو لا يزال يسير منذ عقود وعقود على درب الآلام، وينتظر الخلاص الذي وعده به اناس لا يريدون خلاصه، فيقف عند محطة تلو الاخرى ليبلسم جراحه، ولكنه يكمل بعدها درب الجلجلة برضى واقتناع.

طريق الخلاص الوحيد الذي يجب ان يسير عليه لبنان، هو التمثل بالقيم التي جسدها السيد المسيح ودعانا الى تطبيقها، والا فإن المسيرة ستطول لانها ستبتعد اكثر فأكثر عن الطريق الصحيح، ويكفي ان نسأل انفسنا سؤالاً واحداً فقط لندرك ذلك: هل كنا سنعاني بهذه الشدة لو تعاطينا مع بعضنا البعض، وفي خضم هذه الازمة المأساوية، بطريقة المحبة البعيدة عن استغلال الآخر والاستفادة من وجعه وألمه لتحقيق الارباح الطائلة وغير المنطقية؟.

لا جواب على سؤال: متى قيامة لبنان؟ طالما اننا لا نزال نسير على طريق الهلاك معتبرين انه طريق الخلاص...