تكشف دراسة(1) أجريتها حول الشباب اللبناني في البيئات المهمشة، التي طالت 1200 شاب وصبية ضمن38 منطقة مهمشة في المحافظات الأربع الجنوب، البقاع، الشمال وبيروت، بعنوان "اليأس من لبنان والهجرة الوردية"، عن موقف الشباب المهمش من لبنان ونظرتهم للمستقبل في ظل ما يعيشه لبنان من انهيار غير مسبوق.

لا أمل في لبنان

ليس بمستغرب ولا بجديد أن تطغو النظرة السلبية ومشاعر اليأس والخوف والقلق على صورة المستقبل لدى الشباب اللبناني في البيئات المهمشة، الا أن التعبيرات الوجودية حول لبنان نفسه والموقف منه كانت هي التحول في نظرة الشباب للمستقبل.

كأن لبنان أصبح هو محور اليأس لدى الشباب، فلم يعد يفرق بين أسباب يأسه (اقتصادية، اجتماعية سياسية، امنية). بل صوب الشباب أصابع الاتهام إلى لبنان باعتباره هو المشكلة ولا أمل منه أو البقاء فيه، وكأنه أصبح هو السبب في القضاء على أحلامهم.

إنّه مؤشر خطير على التحول لدى هذا الجيل، الذي لم يشهد منذ ولادته انفراجات أو حلول كما جرت العادة لدى الأجيال السابقة، التي شهدت، على الرغم من تأزم المراحل بين فترة وأخرى، محاولات للإصلاح خصوصا بعد الحرب.

الهجرة بين اليأس والأمل

تستمر النزعة الوجودية لتظهر في مختلف مفاصل الدراسة، سيما في حديث الشباب عن الهجرة، توقع الشباب عدم العودة الى لبنان، وتمنوا الهجرة منه الى أي مكان يحترم الانسان، وتمنوا الحصول على أي جنسية، بل تكررت أمنيات الهجرة من خلال الزواج من أجنبية.

في محاولة للخروج من يأسه، بدا الشباب، إزاء مشروع الهجرة، مفعما بالأمل، وكأنه يحمل ثقافة مغايرة، ثقافة حالمة طامحة وردية مندفعة نحو المستقبل، متحفزا بخياله حول المغترب اللبناني كنموذج للنجاح في بلاد المهجر، باعتبار الهجرة هي الطريق للقضاء على الفقر وتجاوز الحرمان، والسبيل للترقي الاجتماعي وتحقيق الحراك المهني، أي انها هي نموذج النجاحات والابداعات والاختراعات. لكن في حقيقة الأمر، وفي الملاحظة المتمعنة لأحاديث الشباب عن الهجرة، واستعداداته للهجرة بأي ثمن، يعكس الشباب "اليأس المضاعف" من لبنان.

خلاص الشباب بالتغيير

مع أن التغيير ارتبط تاريخيا بالفئات المهمشة يخلص البحث إلى نتيجة مختلفة. فعلى الرغم من أن تأزم الأوضاع بلغ حدا غير مسبوق على المستويات كافة، وصل حاليا إلى مرحلة الانهيار الكبير الذي نعيشه، فإننا نادرا ما لاحظنا في أحاديث الشباب في البيئات المهمشة، وفي كل مفاصل الدراسة ومحاورها، تعابير كالاحتجاجات والانتفاضة والحراك، ولا المشاركة فيها. لكن الدراسة كشفت بالمقابل عن بدائل وابتكارات جديدة يخلقها الجيل الحالي للتفاعل مع واقعه المهمش والتمرد عليه. تظهر هذه البدائل بالتمرد على المستوى الشخصي أو على حياته الخاصة ، أو من خلال اندفاعه للهجرة بأي ثمن، وطموحاته وأحلامه في بلاد الاغتراب، والرغبة بالانسلاخ نهائيا عن لبنان، أو من خلال تبنيه لقيم جديدة تخرق القيم المحلية بمفهومها التقليدي، وتتجاوزها الى قيم عالمية.

هي تفاعلات جديدة تحمل نزعات تمرد غير تقليدية تتمحور حول الذات والفردية والاستقلالية، بعيدا عن التمرد في الفضاء العام. وهو ما يستحق الدراسة(2)، بحثا عن طرق تفاعلات الشباب الجديدة في البيئات المهمشة مع واقعهم المأزوم في ظل انكفائهم عن المشاركة في الفضاء العام".

علما أن هذه الدراسة صدرت ضمن الكتاب السادس الذي حمل عنوان "تخيل الشباب لمستقبلهم :هروب نحو المجهول". وهي واحدة من ست دراسات حول الشباب في البيئات المهمشة ضمن مشروع بحثي وطني استغرق 4 سنوات، تشمل ست دراسات لكل من الشباب الفلسطيني والشباب السوري والشباب اللبناني. تم اصدراها ضمن سلسلة من ستة كتب تحت اشراف الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية، ممثلة بالدكتور عدنان الأمين والفريق البحثي الدكتور كمال أبو شديد (الشباب الفلسطيني) والدكتورة غادة جوني (الشباب السوري) والدكتورة ماريز يونس (الشباب اللبناني). طالت 38 منطقة مهمشة في لبنان و1200 شاب وصبية بين سن 15-24 عاما، عن طريق المجموعات المركزة. وتم اصدار الكتب بالشراكة مع معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت.

(1) دراسة جديدة تكشف التحول الخطير في نظرة الشباب اللبناني المهمش لمستقبلهم في لبنان

(2) https://bit.ly/3LLuIZ8

*أستاذة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية