فشل حزب ​القوات اللبنانية​، أمس، في تأمين النصاب للجلسة النيابية المتعلقة بطرح الثقة بوزير الخارجية عبد الله بوحبيب… أو بالأحرى لم يرغب القواتيون أساساً في عقد الجلسة. إذ إن كتلة "الجمهورية القوية" نفسها لم تحضر بكل أعضائها الذين تغيّب بعضهم، وفي مقدّمهم ستريدا جعجع. كما لم يحضر كل نواب حليفهم، الحزب التقدمي الاشتراكي، الذي أبدى تحفظات عن أداء الخارجية أيضاً. وعليه، ألغيت الجلسة بعد انتظار نحو نصف ساعة، وبعدما حضر 53 نائباً فقط، أي أقل بستة نواب من النصاب المطلوب (59 نائباً) كان يمكن للحليفين تأمينهم لو أرادا عقد الجلسة فعلاً.

ولفتت "الاخبار" الى ان "المشكلة" التي دفعت القوات الى طرح الثقة بوزير الخارجية هي "تشتيت أصوات المنطقة الواحدة والقرية الواحدة والعائلة الواحدة على عدة أقلام اقتراع تبعد عن بعضها مسافات كبيرة، ما يصعب عملية الاقتراع"، علماً بأن ما حصل فعلياً هو أن ماكينة القوات في سيدني، وفي إطار تسجيل الناخبين المؤيدين لها، ملأت خانة " zip code"الرمز البريدي" الخاصة بكل ناخب بطريقة عشوائية، من دون أن تأخذ في الاعتبار عنوان سكنه.

نتيجة ذلك، توزع بعض الناخبين على مراكز اقتراع بعيدة عن أماكن سكنهم، كما توزّع أفراد بعض العائلات على أكثر من مركز، وهو خطأ تتحمله الماكينة الحزبية التي لم تعمد الى ذكر أماكن سكن الناخبين بشكل دقيق. بعد اكتشاف الخطأ، حاول رئيس الحزب سمير جعجع والنائبة ستريدا جعجع وعدوان لملمة الأمر بالاتصال بوزير الخارجية عبد الله بوحبيب والطلب منه إعادة توزيع الناخبين على المراكز بما يناسب ماكينة القوات، ووفق قائمة بأسماء الناخبين في سيدني مع أماكن توزعهم وضعها حزب القوات، علماً بأن عدد الناخبين المسجلين في المدينة يبلغ 17 ألفاً، وزير الخارجية رفض تلبية الطلب لأن "أي تعديل لمراكز اقتراع الناخبين من مكان الى آخر بناءً على طلب أي جهة كانت سيعرّض نتائج الانتخابات للطعن. كما أن إيداع المعلومات الصحيحة لدى التسجيل يقع على مسؤولية الناخب، والوزارة لا تتحمل مسؤولية أخطاء الأفراد والماكينات الانتخابية"، علماً بأن ذكر معلومات خاطئة عن الناخب هو بمثابة عملية تزوير.

والخطأ القواتي موروث من عام 2018 حين انتخبت كل بلدان الاغتراب بحسب معيار مكان السكن وعبر الميغاسنتر، باستثناء سيدني التي سلّمتها وزارة الداخلية الى شركة خاصة عملت على توزيع الناخبين وفق الدوائر لا وفق أماكن السكن، من دون أن تبرر الداخلية يومها لماذا انتخبت سيدني بخلاف الدوائر الـ 14 الباقية.

المسألة الثانية التي بني عليها طلب طرح الثقة كانت "عدم تسليم قوائم الناخبين لأصحاب العلاقة، ما يمنعهم من معرفة عدد المندوبين لكل مركز من مراكز الاقتراع"، وهو أمر يصدر بموجب قرار عن وزارة الداخلية ولا علاقة للخارجية به. وبالفعل عممت الداخلية أمس رابطاً لبرنامج يسمح للناخبين اللبنانيين أينما كانوا بالاطلاع على مكان واسم مركز الاقتراع الخاص بهم، ما يسقط حجة القوات.

أما موضوع الاعتراض الثالث الذي طرحته القوات فهو "ابتداع طرق جديدة لاعتماد مندوبي المرشحين في أقلام الاقتراع الاغترابية بشكل يجعل توكيلهم من قبل المرشحين عملاً شاقاً إن لم يكن مستحيلاً". عن ذلك أوضح بوحبيب شروط إعطاء تصاريح للمندوب وهو أن يتسجّل في القوائم الانتخابية في لبنان أو في الخارج، في حين كان يشترط على المندوب في الدورة السابقة أن يكون مسجلاً حصراً في الخارج لنيله تصريحاً.

"ارباك قواتي"

وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد رفع الجلسة التي كانت مقررة في الثانية بعد ظهر امس في قصر الاونيسكو بعد نصف ساعة من موعدها بعدما تبيّن عدم اكتمال النصاب حيث بلغ عدد النواب الحاضرين 53 نائباً، ولم يحدد بري اي موعد لجلسة جديدة.

وبعد رفع الجلسة استغربت اوساط قريبة من مرجع سياسي كيف ان عدداً من نواب "القوات اللبنانية" تغيّبوا عن الجلسة، على رغم ان "القوات" هي التي طلبت طرح الثقة بوزير الخارجية، وبالتالي كان يُفترض ان يحضر نوابها جميعاً.

ونقلت هذه الاوساط لـ"الجمهورية" عن المرجع ملاحظته ان "القوات" تبدو مربكة في سلوكها خلال الفترة الأخيرة، لافتا الى انه تبين انها تتحمل جزءا من المسؤولية عن الخلل الذي تشكو منه في ملف اقتراع المغتربين في الخارج.

وضمن سياق متصل، أبلغت مصادر مطلعة الى "الجمهورية" ان غياب بعض نواب "القوات" يعود إلى تأكدها من أنه في حال اكتمال النصاب فإنّ بوحبيب ومَن يمثّل سيكسب معركة الثقة وسيخرج من الجلسة النيابية مع فريقه السياسي اكثر قوة، خلافاً لما كانت تصبو اليه معراب.

ولفتت المصادر إلى أن "القوات" لم تحضّر جيدا لهذا الاختبار النيابي ولم تستطع تأمين الدعم الكافي من كتل أخرى، فكانت النتيجة انّ السحر انقلب على الساحر وان وزير الخارجية و"التيار الوطني الحر" حصلا على نصر مجاني.

"المنحى الشخصي"

وقال بوحبيب لـ"الجمهورية" انه يأسف "لكَون "القوات اللبنانية" سلكت المنحى الشخصي في مقاربة خلافها معي". واعتبر انه "كان الأجدى بها بدلاً من ان تطلب طرح الثقة بي ان تلجأ الى المرجع القضائي المختص للنظر في ما تشكو منه، وانا كوزير خارجية ملزم بالانصياع لما يقرره القضاء المعني وطبعاً ليس لما يريده رئيس هذا الحزب او ذاك".

ولفت بوحبيب الى ان التحضيرات لانتخابات الخارج تتم بالتعاون والتنسيق مع وزارة الداخلية التي تشرف على مجمل العملية الانتخابية، "اما وزارة الخارجية فهي تمثّل الآلية التنفيذية في ما يتعلق بالاقتراع خارج لبنان". واكد "ان هناك افتعالا او تضخيما لبعض الالتباسات المتصلة بتصويت المغتربين"، مشيرا الى "ان تفسير هذا الأمر يخضع لاحتمالين: إما ان هناك نوعا من الجهل بحقائق الأمور، وإما ان هناك من يمهّد لخسارة يتوقعها في الانتخابات عبر الاستعداد منذ الآن لتحميل مسؤوليتها الى نظرية المؤامرة وصولاً الى الطعن في النتائج".

وقال بوحبيب: "لقد كنت مستعداً للاجابة عن كل الاسئلة لكن للاسف لم تنعقد الجلسة والغريب ان النواب الذين طرحوا الثقة بي لم تحضر كتلتهم كاملة، فالمعارضة لم يتعدّ عدد نوابها الذين حضروا الى المجلس 15 نائباً من "القوات" و"الاشتراكيين" وانا اتفهّم هذا الامر انّ من مصلحتهم تطيير النصاب لأنه لو انعقدت الجلسة وطرحت الثقة فسأحصل على الاكثرية الساحقة وهذا الامر يُقوّيني بخلاف مرادهم، من هنا اتت مساهمتهم المباشرة في تطيير النصاب".

واضاف بو حبيب: "لم أشأ الحديث في ال​سياسة​ لكن الكلام الذي توجّه به النائب جورج عدوان إليّ بالشخصي لم يكن لائقاً فأنا لدي ثلاثة القاب دكتور وسفير ووزير، وقوله "استاذ بوحبيب هو الوزير الظل" افتقد الى الاحترام لهذا لم أسكت". واكد "ان الانتخابات لن تتأثر بهذه المسرحيات والتي أضيفت اليها بزعمهم ان هناك مشكلات في مراكز الاقتراع في الولايات المتحدة".

وأوضح: "أتحدى ان يرسل احدهم لي حالة تُثبت ان شخصاً سيصوّت في مكان وزوجته في مكان آخر، هذا لم يحدث الا مع ماكينات انتخابية معينة اخطأت في وضع ارقام البريد الخاطئ وهذه مسؤولياتهم، الامر لن يؤثر على عمل السفراء والقناصل وسيكون الجميع كما نعهدهم على مسافة واحدة من الجميع رغم الميول السياسية، ثم انني لست المسؤول عما حصل في سيدني، المسؤولية تعود الى وزارة الداخلية، أنا آلة الانتخابات لكن القرارات تعود للداخلية واتحدى اي طرف ان يقدم لي دليلاً على تجاوزات السفراء والقناصل والبعثات الديبلوماسية لمهامهم الرسمية لقد اخطأوا في وضع الرقم البريدي والخطأ من عندهم ولا نتحمّل نحن المسؤولية".

"حتى لو بَدّي إشحد"

وعما اذا كان اعلان الامن العام وقف المنصة واصدار الباسبورات اكد بوحبيب "ان كل من يريد المجيء الى لبنان لممارسة حقه الدستوري سيتأمّن له الباسبور الخاص بالانتخابات وهذه الكوتا محجوزة ولا خوف عليها". واضاف: "الوضع المالي صعب جدا ومن لا يشعر بهذا الامر كارثة إذ انه لم يسبق لدولة أن أوقفت اصدار باسبوراتها لأسباب اقتصادية انما ممكن لأسباب امنية. الديبلوماسيون لم يتقاضوا معاشاتهم منذ ثلاثة اشهر حتى الامس حيث حوّل لهم معاش شهر واحد ومَن تمّ انتدابهم بأمر مهمة لم يتقاضوا بعد اجورهم لكن رغم كل هذا الوضع الصعب لن نسمح بهذا الامر ان يؤثر على اجراء الانتخابات، سنحاول ترتيب كل شيء".

وختم بو حبيب: "حتى لو بدّي إشحد بدّي اعمل انتخابات".