فيما يتوجّه موظفو أقلام الاقتراع اليوم للإدلاء بصوتهم في ​الانتخابات النيابية​، وسط صمت انتخابي، يسبق الكلام "المُباح" الأخير، في الرحلة نحو اليوم "الموعود" المنتظر الأحد المقبل، تزداد التكهّنات والسيناريوهات حول مآلات الخامس عشر من أيار، وما قد يحمله من تغييرات على الخارطة السياسية، و"انقلابات" يصرّ البعض على "التبشير" بها.

وفي انتظار يوم الأحد، يبدو أنّ ​الحملات الانتخابية​ بلغت "ذروتها"، على وقع خطاب عالي السقف يتمّ اعتماده من جانب معظم القوى السياسية، التقليدية منها كما التغييرية، خطاب يتخلله تبادل غير مسبوق للاتهامات، وحتى التخوين والتحقير بين المرشحين، ويرجّح أن يصل إلى "أوجه" يوم الجمعة، وهو الأخير قبل الصمت "النهائي والحاسم".

وفي انتظار يوم الأحد أيضًا، تكثر علامات الاستفهام حول "السيناريوهات" المحتملة، خصوصًا أنّ هناك بين الأفرقاء من اختار أن يتبنّى "خطابًا استباقيًا" يحتوي سلفًا أيّ نتائج يمكن أن تفرزها الصناديق، من خلال الشكوى من مخالفات "فاضحة" للقانون الانتخابي، ومن سقف "إنفاق" فاق ما يُسمَح به، مع ما ينطوي على ذلك من "شكوك" بالجملة.

فهل يمرّ يوم الانتخاب الطويل يوم الأحد كأسلافه الذين سبقوه في ​الاغتراب​ والداخل، أم يحمل معه "تشنّجًا" يخشى كثيرون أن يتحوّل إلى "فوضى"؟ وهل يتقبّل الجميع النتائج التي ستترتّب على الانتخابات بروح رياضية، باتت شبه نادرة؟ ولماذا "يستحضر" البعض السيناريو ​العراق​ي، في ظلّ "ترسّبات انتخابية" لا تزال ماثلة في الأذهان، بعد أشهر طويلة من الاستحقاق؟!.

في المبدأ، يتحدّث كثيرون عن مخاوف وهواجس حقيقية من "توتر" يعقب الانتخابات، خصوصًا في ضوء "حماوة" لافتة في العديد من المناطق، حيث تبدو المعركة "عالمنخار"، وتشتدّ "السخونة"، وهو ما ينعكس أساسًا في الخطاب الإعلامي والسياسي الذي شهد استقطابًا حادًا في الأيام القليلة الماضية، وسط هجوم متبادل بين بعض المرشحين واللوائح، إضافة إلى "حملات افتراضية" حملت بين طيّاتها الكثير من المعاني والدلالات.

ولعلّ هذه المخاوف تزداد "حدّة" مع الخطاب "التشكيكي" الذي لجأ إليه بعض الأطراف قبل يوم الأحد، "استباقًا" ربما لأيّ نتائج يمكن أن تفرزها الصناديق، قد لا تكون على "خاطر" بعض القوى المتنافسة، ويندرج في هذا السياق مثلاً حديث رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق ​جبران باسيل​ عن "تزوير" قد يطال العملية الانتخابية، كما "شكواه" عن "إنفاق انتخابي" تخطّى السقف المسموح به قانونًا، من جانب حزبي "​القوات​" و"​الكتائب​".

ويخشى البعض أن يكون هذا المناخ بمثابة "تمهيد" لتمرّد بعض القوى على نتائج الانتخابات، وبالتالي "الطعن بها"، واعتبارها نتيجة "تزوير حقيقي"، ولا سيما أنّ الوزير باسيل سيستند إلى الشكاوى التي تقدّم بها رسميًا أمام هيئة الإشراف على الانتخابات، التي سيقول إنّها تقاعست عن تلقفها ولم تقم بالواجب المطلوب منها، ما سيجعل بالتالي أيّ "طعن" بالنتائج مبرَّرًا ومشروعًا، وفي مكانه المناسب.

لكن، في مقابل هذا الرأي، ثمّة رأي آخر يقول إنّ "المسار القانوني" هو الذي سيُتّبَع، في حال رفض أيّ فريق للنتائج، ووفق الآليات المتبعة في العادة، من خلال تقديم الطعون أمام ​المجلس الدستوري​، وهو ما يتيحه القانون أساسًا، وسبق أن اعتُمِد في دورات سابقة، ومنها دورة 2018، حيث جرت بالفعل ​انتخابات فرعية​ مثلاً على المقعد السنّي في طرابلس الذي كانت تشغله النائب ديما جمالي واستعادته رسميًا.

يعني هذا المسار أنّ السيناريو العراقي يبدو مُستبعَدًا، لأنّ المسار القانوني لا يفترض أن يفضي إلى "الفوضى"، كما حصل في العراق، ولا سيما إذا كانت المعركة الحقيقية في مناطق محسوبة على قوى سياسية معروفة تقليديًا وتاريخيًا بأنّها مناصرة لـ"دولة القانون"، ما يفترض بالتالي أنّها ستتقبل النتيجة برحابة صدر، مع الاحتفاظ بكامل حقوقها في الاعتراض عليها، وفق الإجراءات والآليات القانونية المتاحة في مثل هذه الحالات.

وثمّة سبب يبدو أكثر "جوهرية" في استبعاد السيناريو العراقي، بحسب أصحاب هذا الرأي، وهو أنّ هامش "المفاجأة" في نتائج الانتخابات يظلّ محدودًا، لأنّ ​القانون الانتخابي​ الساري أساسًا لا يسمح بأيّ تغيير "جذري"، ولا سيما أنّه وفق ما يقول معظم الخبراء الانتخابيين، مفصَّل على قياس الأحزاب والقوى السياسية التي أعدّته، وبالتالي فإنّ "الهامش" المتاح للخرق في هذه الدائرة أو تلك، يقتصر على عدد من المقاعد، قد لا يزيد على أصابع اليدين.

إلا أنّ كلّ ما سبق يجرّ إلى نقاش من نوع آخر حول "فوضى" يخشاها البعض بعد الانتخابات، على صعيد المؤسسات، وهي "فوضى" يرى كثيرون أنّها حاصلة حتمًا قبل وبعد الانتخابات، بالنظر إلى الاستحقاقات المرتقبة، والتي قد تصبح "رهينة" التوافق بين المكوّنات التي ستنبثق عن الاستحقاق الديمقراطي المُنتظَر، من تشكيل الحكومة، وما سيترتّب عليه من إجراءات لمعالجة الأزمة الاقتصادية، إلى الانتخابات الرئاسية وما تخبئه على كل الصعد.

استنادًا إلى كلّ ما تقدّم، يمكن القول إنّ الخوف من السيناريو العراقي قد يكون مشروعًا، فالتجربتان العراقية واللبنانية اثبتتا على مرّ السنوات مدى "تشابههما"، وهما اللتان تتقاطعان في الكثير من التفاصيل، بدءًا من النفوذ الإقليمي، وصولاً على التوزيع الطائفي. إلا أنّ نقطة الاختلاف الساخنة الرئيسية تبقى، كما يرى كثيرون، أنّ الانتخابات اللبنانية تبدو "معلَّبة" سلفًا، ما يعني أنّ "المحكّ" الأكبر يبقى ما بعد الانتخابات، وليس الانتخابات بحدّ ذاتها!.