منذ إعلان رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ عزوفه عن المشاركة في الإنتخابات النيابية، طرحت الأسئلة حول التوجه للناخبين السنة في هذا الإستحقاق، لا سيما أن القسم الأكبر منهم كان يميل نحو التصويت لتيار "المستقبل"، وبدا في الأفق مجموعة من السيناريوهات حول إمكانيّة أن تكون القوى والشخصيات التي تدور في فلك قوى الثامن من آذار أو رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، الذي دعم من المملكة العربية ​السعودية​، هم المستفيد الأكبر من ذلك.

بعد بروز النتائج الأولية لإنتخابات أيار 2022، خرج رئيس الحكومة السابق ليعلن أن قراره بالإنسحاب كان صائباً، معتبراً أنّه هزّ هياكل الخلل السياسي، بالرغم من الحملة الكبيرة التي كانت تشنّ عليه من قبل العديد من الجهات، لا سيما تلك التي تدور في فلك الرياض، لكن كيف توزعت خيارات الناخبين السنة في هذا الإستحقاق؟.

في هذا السياق، تشير مصادر مواكبة لسير العملية الإنتخابية، عبر "النشرة"، إلى أن غياب الحريري نجح في خفض نسبة الإقتراع في بعض الدوائر، أبرزها طرابلس المنية الضنية (-22%)، البقاع الغربي وراشيا (-21%)، صيدا جزين (-16%)، زحلة (-11%)، بعلبك الهرمل (-11%)، بينما لم ينجح في تحقيق هذا الهدف في دائرة بيروت الثانية، التي كانت تعتبر المعقل الأساسي لتياره السياسي تاريخياً.

من وجهة نظر هذه المصادر، يمكن الجزم بأن فئة واسعة من الجمهور السنّي، في ظلّ غياب الحريري، وجدت ضالّتها بالمرشّحين المستقلّين، الأمر الذي ساهم بتحقيق لائحة "معاً للتغيير" الخرق في دائرة الجنوب الثالثة على سبيل المثال، بالإضافة إلى تقدّم النائب أسامة سعد والدكتور عبد الرحمن البزري في صيدا والمرشح ياسين ياسين في دائرة البقاع الغربي وراشيا، من دون تجاهل الخرق الكبير الذي حققه هؤلاء في دائرة بيروت الثانية.

في المقابل، تعتبر المصادر نفسها أنّ الخاسر الأكبر من قرار رئيس الحكومة السابق كانت السعودية، التي لم تنجح في إبراز أن هناك شخصية قوية قريبة منها قادرة على ملء الفراغ الذي تركه، بدليل عدم نجاح معظم المرشّحين المحسوبين على السنيورة في الوصول إلى الندوة البرلمانيّة، بينما اللائحة الأساسية المدعومة من قبله في دائرة بيروت الثانية لم تنجح في تحقيق نتائج بارزة، بالرغم من ذهابه إلى رفع سقف خطابه السياسي عالياً في وجه "حزب الله".

وفي حين تشير المصادر المواكبة لسير العمليّة الإنتخابيّة إلى امكانيّة القول أن الرياض ربحت على الساحة المسيحيّة، في ظلّ تقدم نتائج حزب "القوات اللبنانية"، في مقابل خسارتها على الساحة السّنية، تلفت إلى أن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه يتعلّق بكيفيّة تعاملها مع هذه الساحة في المرحلة المقبلة، خصوصاً مع الحريري نفسه الذي أثبت أنه قادر على أن يكون المؤثر الأول فيها.

بالنسبة إلى هذه المصادر، الرياض من الممكن أن تكون أمام سيناريوهين أساسيين: الأول هو معاودة الإنفتاح على رئيس الحكومة السابق من جديد، الأمر الذي لا يمكن إستبعاده بالرغم من التوتر القائم على مستوى العلاقة بين الجانبين، أو السعي إلى الإستثمار في مرحلة الفراغ الراهنة للبناء عليها، نظراً إلى أن الحديث عن قدرة رئيس "القوّات" سمير جعجع على تولّي المهمة يبدو في غير مكانه.