لاحظ المراقبون الذين تابعوا الاستحقاق النيابي الاخير انه وسط الضجيج الذي قام حول الإنفاق الانتخابي السخي الذي تتولاه "القوات اللبنانية"، في المناطق التي كان مرشحوها يخوضون المعارك الانتخابية، لم يلتفت الناس بما يكفي من الاهتمام إلى ما قام به "حزب الكتائب" على هذا الصعيد. ويؤكد المراقبون أنه أنفق بصورة غير مسبوقة في هذه الانتخابات، وهو لم يعتمد في تاريخه الطويل على مثل هذا الأسلوب. فـ"ماكينته" الانتخابية التي كانت مضرب مثل في الدقة وسرعة الحركة والقدرة العالية في التواصل مع المواطنين، كانت الاقل كلفة في لبنان، وترتكز إلى مبدأ التطوع.

هذه المرة قرّر النائب سامي الجميل، حامل لواء الشفافيّة، الرافض للمال الانتخابي، والرشوة، واستغلال فقر الناس ومعاناتهم لاغراض سياسية وانتخابيّة، أن يحذو حذو رجال المال والاعمال الذين يعرفون بأصحاب الرأسمال المتوحّش، فيرصد الأموال لسداد الأقساط المدرسيّة والجامعية بل واقساط رياض الاطفال، وفواتير الاستشفاء والمازوت، وذلك في منطقة المتن، وكان ذلك يتم بإشراف زوجته وشقيقته.

انتقالا إلى كسروان-الفتوح حيث كان يتعيّن على الجميل أن يساند مرشحه على لائحة "صرخة وطن" برئاسة نعمت افرام الوزير السابق سليم الصايغ الذي يفتقر إلى "الكاريزما" التي تقرّبه إلى الناخبين. فدفع في بداية الأمر مبالغ طائلة غير محددة. ولما وجد أنّها غير كافية لإخراج مرشحه من دائرة الخطر "ذخر" الجميل الصايغ قبل ١٥ يوما من الاستحقاق بمبلغ سبعة مليارات وخمسمئة مليون ليرة لبنانية .

اما في البترون ، فحدث ولاحرج. كان الإنفاق كبيرا منذ بداية العام لتهيئة قاعدة الاقليم لتقبل عدم ترشيح كتائبي ودعم مجد بطرس حرب. وقد دفع اكراميات لرؤساء الأقسام والقطاعات واعضاء اللجنة التنفيذية وعمد الأقسام. وفي بعض بلدات وسط البترون سجّلت عائلات باكملها بصفة مندوب، بحيث تقاضى كل مندوب/ة مسجل/ة مبلغ خمسة ملايين ليرة. كان الإنفاق الانتخابي غير متوقع في هذه المنطقة لأن المطلوب اولا هو إسقاط جبران باسيل بايّ وسيلة او ثمن. وحذف النائب السابق سامر سعاده من المعادلة الكتائبية في البترون.

فما الذي حصل؟

في المتن استطاع الجميل من الحفاظ على مقعدين: واحد لنفسه والآخر لالياس حنكش، لكن بأصوات أدنى من تلك التي حصل عليها في استحقاق ٢٠١٨. اي ان هناك تراجعا ملحوظا في نسبة المؤيّدين له.

في كسروان-الفتوح فاز سليم الصايغ بثلاثة آلاف وسبعمئة صوت، وهو ما عدّ فائزا الا لأن لائحة افرام استطاعت الفوز بالحاصل الثاني. وكان يمكن للنائب السابق المرشح منصور غانم البون أن يكون هو النائب لنيله ما يقارب الالفي صوت اكثر من الصايغ، لو أمّنت لائحته حاصلا واحدا. أيّ ان حزب الكتائب برئاسة سامي الجميل لم يكن بالثقل الانتخابي الذي وعد نفسه ونعمت افرام به، ما حدا بالاخير على الندم لتحالفه، وافتراقه عن زياد بارود.

وفي البترون كانت الخسارة مزدوجة: سقوط مجد بطرس حرب، وفشل اخضاع وترويض سامر سعاده. فضاعت الهيبة، مع انحسار القوّة التجييرية للكتائب في البترون إلى حدودها الدنيا.

اما في الاشرفية، سامي "ذخّر" ابن عمه نديم بالمبلغ الذي يحتاج، إضافة إلى " التذخير" السخي من انطون الصحناوي في مواجهة رجل الأعمال والإعلانات جورج شهوان المرشح على اللائحة القواتية. ودائما، في اللحظات الأخيرة يشفع بنديم كونه ابن بشير الجميل الذي لا يزال يعني الكثير لابناء الاشرفية رغم ملاحظاتهم وانتقاداتهم على أدائه.

في اي حال ما انفقته الكتائب في هذه الانتخابات، وبخلاف السابق، وبما يخالف سلوكها التاريخي في الاستحقاقات النّيابية، تفوق بكثير النتائج التي اتت متواضعة جدا.