منذ الانتخابات النيابية الأخيرة، وما أفرزته من خريطة سياسية جديدة، أطاحت نظريًا بـ"الأكثرية التقليدية" التي كان يشكّلها "حزب الله" وحلفاؤه، وأدخلت لاعبين جدُدًا إلى قلب "المبارزة"، هم من عُرِفوا بنواب "التغيير"، أو ممثلي "17 تشرين"، اتّجهت الأنظار نحو الجلسة الأولى للبرلمان، بوصفها "الامتحان الأول" للمجلس، وللنواب مجتمعين.

وما بين انتهاء الانتخابات وموعد الجلسة الأولى، معطيات كثيرة طرأت على المشهد، ليبدو "الثابت" أنّ "العقلية نفسها" لا تزال الحاكمة، فرئيس "السنّ" نبيه بري سيبقى رئيسًا للبرلمان لولاية أخرى بعد ستّ دورات كاملة، متسلّحًا ربما بوصفه "المرشح الوحيد"، لأنّ جميع النواب الشيعة يغرّدون في سربه أو سرب حليفه الأول، "حزب الله".

لكن، بموازاة العودة "الميمونة"، يبدو أنّ لغة "الصفقات والمقايضات" عادت أيضًا، ولو نفى جميع الأطراف "الضلوع" بها، بشكل مباشر أو غير مباشر، إذ حفلت الأيام القليلة الماضية بالتكهّنات والسيناريوهات، التي ثبتت "صحة" الكثير منها، ليتكرّر الحديث أيضًا عن "سلّة متكاملة" لا بد من التوافق عليها، وإلا فـ"الفراغ الشامل" الذي تبدو البلاد مقدمة عليه.

وسط كلّ ذلك، تبدو "القوات اللبنانية" مرّة أخرى وكأنّها "الخاسر الأكبر"، بعدما تصوّرت أنّ تقدّمها في الانتخابات يرقى لمستوى "الانتصار"، فإذا بـ"امتعاضها" يخرج إلى العَلَن، وسهامها تضرب "الرفاق التغييريّين" قبل "الخصوم"، لأنّهم "يكرّرون الخطيئة" نفسها، فيقدّمون "الهدايا" لـ"حزب الله"، ما يجعله "منتصرًا" رغم "الخسارة"، وفق ما يقوله بعض المحسوبين عليها.

في المبدأ، من يذكر الخطاب "القواتي" ليلة إعلان نتائج الانتخابات يمكنه أن يدرك حجم "المرارة القواتية"، توازيًا مع أولى جلسات البرلمان. ففي ليلة "الفرز" الشهيرة، خرج رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ليعلن "الانتصار المدوّي"، وينصّب كتلته "الأكبر" في البرلمان، ويذهب لحدّ القول إنّ "الأكثرية الجديدة" التي يشكّل قوامها، مع نواب "التغيير"، هي من ستسمّي رئيس البرلمان ورئيس الحكومة، وسيكون لها "الكلمة الفصل" في كلّ الاستحقاقات.

ومع أنّ "التغييريين" سارعوا للحفاظ على "هامش" مع "القوات"، انسجامًا مع نفسهم أولاً، ومع شعار "كلن يعني كلن" الشهير الذي لطالما رفعوه، والذي لطالما كانت "القوات" في متنه، بعدما كانت جزءًا من الحكومات المتعاقبة، التي لم تغادر مربّعها سوى بعيد اندلاع انتفاضة "17 تشرين"، لم يفقد "القواتيون" الأمل، وأبدوا كلّ الانفتاح على الوافدين الجُدُد إلى مجلس النواب، الذين "يتقاطعون" معهم، بالحدّ الأدنى، على "العناوين الكبرى".

سريعًا، ترجمت القيادة "القواتية" هذا الانفتاح، فكان التصريح الشهير لرئيس حزب "القوات" الذي أعلن فيه تريّث "القوات" في طرح مرشحها "الطبيعي" لمنصب نائب رئيس البرلمان، غسان حاصباني، واستعدادها بالقبول بأيّ مرشح ترتضيه قوى "التغيير"، شرط أن تنطبق عليه المواصفات التي تطرحها "القوات"، وقد ذهب "الحكيم" أبعد من ذلك يومها، بالتعبير صراحةً عن قبول "القوات" باسم النقيب ملحم خلف للمنصب.

لكنّ كلّ وسائل "الترغيب والإقناع" لم تنفع على ما يبدو، فبقي النواب "التغييريون" يغرّدون في سربهم الخاص، بل خرج من بينهم من يعلن صراحةً أنّ وضع يدهم بيد كتلة "القوات" هو من "سابع المستحيلات"، ويقول إنّ تسمية أيّ شخصية "من المنظومة التقليدية" لأيّ منصب لن يحصل، وهو ما أثار امتعاض شخصيات تدور في فلك "القوات"، ولو تقاطع مع حديث عن "تباينات" داخل الكتلة "التغييرية" نفسها في مقاربة الأمور، ومن بينها العلاقة مع "القوات".

لكنّ الامتعاض "القواتي" سرعان ما خرج إلى العلن عشية الجلسة النيابية الأولى، ولا سيما بعدما اتضح أنّ نتيجتها لن تكون سوى في صالح معسكر "حزب الله" وحلفائه، لا بفضل هذا المعسكر، الذي أضحى "أقلية"، ولكن بفعل "التباينات" في المعسكرات الأخرى، تباينات وإن صحّت، من شأنها أن تتحوّل إلى "خطيئة" تشبه في مكان ما تلك التي ارتكبها "التغييريون" عندما خاضوا الانتخابات مشتّتين على لوائح بالجملة.

يتحدّث "القواتيون" عن هذه "الخطيئة" ليشيروا إلى أنّ كلّ الدراسات أثبتت أنّ كتلة "التغييريين" كان يمكن أن تتضاعف بالحدّ الأدنى، لو توحّدت اللوائح في بعض المناطق، حيث عجز البعض عن الوصول إلى "حاصل واحد"، كان ليتأمّن بكلّ يسر وسهولة، لو أنّ الجميع وضعوا أيديهم بأيدي بعضهم البعض، إلا أنّ النتيجة كانت في صالح معسكر "حزب الله" الذي كان يمكن أن يخسر بسهولة المزيد من نوابه.

ولذلك، يعتقد "القواتيون" أنّ "التغييريين" إذا ما أصرّوا على المضيّ بالنهج نفسه، فهم يقدّمون "الهدايا المجانية" لـ"حزب الله" أيضًا وايضًا، لأنّه يجعله "الحاكم بأمره"، من دون أن يمتلك الأكثرية، لأنّ "أقلية متجانسة" كتلك التي يشكّل "قائد إيقاعها"، جامعًا من خلالها "الأضداد"، تبقى أكثر متانة وقوة، من "أكثرية" تبحث عن "نقاط الاختلاف" فيما بينها، بدل البناء على "المشتركات"، على كثرتها.

في النتيجة، يبدو واضحًا أنّ "القوات" غير راضية عن مسار الأمور حتى الآن، في برلمان تراءى لها أنّه سيشكّل "انقلابًا" على الذي سبقه. مع ذلك، يقول المحسوبون عليها، إنّ الطريق لا يزال في بدايته، وإنّ على قوى "التغيير" أن تعيد النظر بموقفها، لأنّ "التلاقي" بين الخطين "حتميّ" في نهاية المطاف، ولا سيما أنّ الاستحقاقات والتحديات "داهمة"، وكلها ستشكّل "امتحانًا" للتغييريين قبل غيرهم، يُكرَمون أو يُهانون وفق أدائهم فيها!.