حتى الساعة، لم تنته تداعيات ما حصل في جلسة المجلس النيابي الأولى من إصطفافات سياسية، خصوصاً بعد نجاح قوى الثامن من آذار و"​التيار الوطني الحر​" في إثبات قدراتهما على التأقلم مع التغييرات التي أفرزتها نتائج ​الإنتخابات النيابية​ الأخيرة، في حين فشلت القوى التي كانت جزءاً من تحالف قوى الرابع عشر من آذار في إثبات نظريتها "العددية"، أي وجود أكثرية نيابية جديدة قادرة على التحكم بتوجهاتها.

في هذا الإطار، قد يكون التعبير الأصدق عما حصل هو الموقف الذي عبر عنه رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" النائب السابق ​وليد جنبلاط​، عندما إعتبار أن "الهزيمة" تعود إلى سوء التنسيق، الأمر الذي يتطلب صياغة برنامج مشترك يتجاوز التناقضات الثانوية، من أجل مواجهة جبهة قوى الثامن من آذار التي وصفها بـ"السورية-الإيرانية".

الأساس في دعوة جنبلاط هو رؤيته بأن هذه الجبهة ستنتقم لـ"هزيمتها" في الإنتخابات و"لن ترحم أحداً"، إلا أن رئيس "الإشتراكي" تجاهل عن قصد، بحسب ما ترى مصادر سياسية مطلعة عبر "النشرة"، أنه ساهم من خلال أصوات كتلته النيابية في تأمين فوز أحد أبرز أركان هذه الجبهة، أي رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​، من الدورة الأولى، بعد أن كان يصفه على مدى السنوات الماضية بأنه الحليف الوحيد على الساحة اللبنانية، الأمر الذي يدفع إلى السؤال عن الموقف الفعلي لـ"البيك" في التوازنات البرلمانية الجديدة.

من وجهة نظر هذه المصادر، لم يكن جنبلاط قادراً على تفادي التصويت لبري، حتى ولو حصل التنسيق الذي يطالب به، الأمر الذي كان مرفوضاً بشكل قاطع من قبل مختلف القوى والشخصيات التي يتحدث عن أنه يشكل أغلبية جديدة معها، وبالتالي هو أول من يمكن الحديث عن أنه لا يمكن الإعتماد عليه في أي معادلة جديدة، نظراً إلى أن هذا الأمر قد يتكرر عند تشكيل أي حكومة جديدة، لا سيما إذا ما نجح تحالف قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر" في عملية التكليف، التي من المفترض أن تحصل في الأيام المقبلة.

في هذا السياق، من الضروي التوقف عند نقطة مهمة، تكمن بأن ما يطالب به رئيس "الإشتراكي" يشمل حزب "القوات اللبنانية"، التي كانت تعرضت لضربة قاسية تمثلت في سقوط مرشحها لمنصب أمين سر النائب زياد حواط في وجه مرشح "التيار الوطني الحر" النائب آلان عون، نظراً إلى أن رئيس الحزب ​سمير جعجع​ كان أول من تحدث عن أغلبية جديدة في المجلس النيابي، ما يمثل قناعة لدى الجانبين بأن ما يسمى بـ"النواب المستقلين" و"النواب التغييريين" هم في "الجيبة".

بالنسبة إلى المصادر السياسية المطلعة، هذا الواقع، بغض النظر عن علامات الإستفهام التي من الممكن أن تُرسم حول سلوك النواب "التغييريين" في جلسة المجلس الأولى، يظهر رغبة مستمرة في جرهم إلى الإصطفاف التقليدي بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار، على قاعدة أنهم يمثلون ما يمكن تسميته بـ"قوى الرابع عشر من آذار الجديدة"، التي ترفع شعارات "التغيير" و"محاربة الفساد"، في وجه جزء واحد من المنظومة، بينما تتحالف مع الجزء الآخر.

في قراءة المصادر نفسها، ما حصل في الدورة الثانية من إنتخابات نائب رئيس المجلس النيابي أكد هذا الأمر، الذي وصف على أساس أنه "سقطة" من النواب "التغييريين"، لكن الكثير من الأسئلة من المفترض أن تطرح حول إمكانية تكرار ذلك في الإستحقاقات المقبلة، نظراً إلى تداعيات ذلك على صورة هؤلاء النواب ستكون كبيرة، خصوصاً أنها ستسهل من مواجهة تحالف قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر" لهم على المستويين الإعلامي والشعبي.

في المحصلة، التهديد الحقيقي الذي يواجهه النواب "التغييريين" هو نجاح جنبلاط وجعجع في جرهم إلى هذا الموقع السياسي، خصوصاً في ظل المعلومات عن تدخلات خارجية كانت مؤثرة على قراراتهم في الجلسة الأولى، الأمر الذي قد يقود، في لحظة ما، إلى تشتتهم أو إنقسامهم على بعضهم البعض، الأمر الذي سيضيع عليهم فرصة ذهبية من الممكن أن يستغلوها بشكل أفضل.