تعيّد ​الكنيسة​ الأرثوذكسية غدًا لعيد العنصرة، أي ذكرى حلول الروح القدس على التلاميذ المجتمعين في علّية صهيون في اليوم الخمسين بعد الفصح. لغوؤًّا، كلمة عنصرة تأتي من العبرية وتعني "اجتماع".

ما حصل في أورشليم مع الرسل هو عكس ما حصل في برج بابل قديمًا. هناك كانوا يتكلّمون لغة واحدة فنزل الرّبّ وبلبل ألسنتهم وأضحوا يتكلّمون لغّات مختلفة ولا يفهمون بعضهم بعضًا. أمّا هنا فتكلّموا لغّات مختلفة وفهموا جميعهم اللغة الموحّدة، لغة الروح القدس.

في هذا العيد المبارك، نرفع الدعاء للرب أن يرسل نعمة الروح القدس على المسكونة بأسرها، وخصوصًا على شعب هذا الوطن الذي يعيش برج بابل بشكل دائم، وعنصرة مفقودة. نتكلم لغّة واحدة ولا من أحد يفهم على الآخر، وكلٌ يغني على ليلاه. شعبنا يناطح بعضه بعضًا ويعيش في أزمة لسان. هذا اللسان المرتبط بالعقل خصّ اللهُ الإنسانَ به لينطق بعظائم الله.

ولكنّنا في هذا البلد نغيّب هذه الهبة. لساننا يميل إلى الشرّ، يسبق تفكيرنا في يومياتنا وفي تواصلنا مع بعضنا البعض. نعيش حدث بابل بكلّ ابعاده، فلا اتفاق ولا توافق على أبسط الأمور التي ترعى شؤون وشجون الوطن والمواطن، ونتلهّى بجنس الملائكة، وشعبنا يرزح تحت نير الفقر، لا حسيب ولا رقيب. ندّعي الإيمان بالله، وكلّ فئة تستنّجد به لمواجهة وتحطيم الآخر. نجاهر بإيماننا بربّ العالمين، وهو منّا براء. نحن شعبٌ تبلبلت ألسنتنا بسبب من آنانياتنا وتعجرفنا وكبريائنا وتقوقعنا وتعصّبنا الطائفي والمذهبي. تتبسّط أمامنا مشهدية الإنقسامات، التي يحرّكها القادة والزعماء، وأكبر دليل ما شاهدناه وشهدناه في الإنتخابات الأخيرة.

في هذا اليوم الخمسين، وهذه أصل التسميّة باللغة اليونانيّة، حيث حضر الروح القدس إلى التلاميذ وأعطاهم القوّة من العلى، دعاؤنا أن يأتي إلينا إن طلبناه بصدقٍ، لأننا أصلاً هياكل الروح القدس. لن نعرف نعمة الهناء في هذا البلد، إلا عندما نتوقف عن عبادة أصنام تُرفع صورهم هنا وهناك. نعيش الرجاء عندما نتصالح مع الله، الحاضر في كل مكان وزمان والمالئ الكلّ، عندها تنسكب علينا مراحمه لحظة يلمس توبتنا.

لن تستقيم أمور وطننا ونعود كلّنا إلى عنصرة وطنية، إلا في حال أيقن المسؤولون عندنا بأننا واحد، ونملك هوية واحدة، وما من أحد يستطيع إلغاء الآخر. الله بعيدٌ عن شعب أتقن العدائية والكراهية والانتقام.

أمورنا لا تُحل بسحر ساحر، إنما بالمحاسبة اولًا، وبالتفاهم والتلاقي والتخاطب بلغة عقلانيّة هادئة، لا بلغة الغرائز والحقد والتطرّف السياسي الأعمى.

على هذا الرجاء، نطلب منك يا الله، أن تُرسل نعمتك السماوية على عبيدك المسؤولين في هذا البلد، وتفتح أذهانهم وقلوبهم ليفهموا أن دورهم خلاص البلد من مشاكله، لا القضاء على شعبه، وعلى ما تبقّى من مقدّراته، بالمزايدات وتراشق الإتهامات وحماية الفاسدين وعرقلة العدالة والقضاء.

أرجو أن يعي كلّ أعضاء البرلمان الجديد منهم والمتجدّدين، أن التكابر والمشاحنات والعنتريّات والـ Showoff لا تبني أوطانًا، بل تخدم مصلحة أعداء الوطن، الذين يساهمون عبر أدوات داخليّة، بتنفيذ أجندات لهؤلاء الأعداء، المنظورين منهم وغير المنظورين.

نسأل الله القدير أن يحقّق عجائبه في هذا الوطن، لنعيش عنصرة حقيقية لا مزيّفة.