قبيل ساعات على بدء ​الاستشارات النيابية​ الملزمة لتسمية رئيس حكومة، كان لافتاً الكلام الصادر عن رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، والاهم هو الكلام الذي قاله رئيس حكومة تصريف الاعمال ​نجيب ميقاتي​. في ما خص كلام عون، بدا وكأنّه موجّه الى معارضيه للإيحاء بأنه لا يزال قوياً ولا يجب اعلان وفاته السياسية وقدراته الرئاسية بعد، وعدم الاستهانة بما يمكنه القيام به خلال الاشهر الخمسة المتبقية من ولايته، ولكن هذا الكلام، على اهميته، يبقى اقرب الى التهويل لان التطورات على مدى ست سنوات اثبتت انه من دون التحالفات (الغائبة حالياً) مع القوى الأخرى، والتأييد الدولي (المفقود حالياً) للمواقف والقرارات، فإنه غير قادر على فرض ما يريد في الوقت الذي يريد، وان اي رئيس حكومة ستتم تسميته سيفرض مشكلة ومواجهة حقيقية له حتى ولو كان ميقاتي مجدداً.

ولكن كي لا نتعمق كثيراً في الشق المتعلق برئيس الجمهورية، هناك استحقاق تسمية رئيس الحكومة المكلف غداً، وفي هذا السياق برزت موقف جديدة لميقاتي كان اقواها التنبيه من ان لبنان سيحلّ قضية ​النازحين السوريين​ بقوّة القانون وبحزم الاجراءات اللبنانية. طبيعي الا يؤخذ هذا الكلام على محمل الجد، خصوصاً وان الجميع يدرك عدم قدرة لبنان على القيام بهذا الامر، بشهادة المشاكل التي تم اغراقه فيها (بمساعدة من اللبنانيين للاسف)، على الصعد السياسية والمالية والاقتصادية والامنية والصحية والمعيشية... فما هدف هذا الموقف غير القابل للتنفيذ؟.

وفق ما يدور من احاديث في الصالونات السياسية، فإن ميقاتي وجد نفسه في موقف حرج لناحية عودته الى الحكومة من جديد، وكان لا بد من ارسال رسالة الى من يعنيهم الامر في الخارج انه لا يزال الانسب والاقدر على تولي هذه المهمة، ولن يقبل بأن يخرج خالي الوفاض بعد قبوله عدم الترشح للنيابة، فكانت الرسالة بمثابة تذكير للغرب بأن هناك قرارات "ليست مستحبة" قد يشعرون بها اذا ما اتخذوا قراراً "غير مستحب" قد يشعر به. ولكن الاحاديث الدائرة تشدد على ان اي دولة لم تستطع القيام بهذه الخطوة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تركيا والاردن، فكم بالحري لبنان الذي يتخبط بأزمات هائجة ويطلب المساعدة بشكل يومي من الخارج (من دون ان ينجح) ليستمر في تأمين ادنى مقومات العيش؟ واتت رسالة ميقاتي للداخل ايضاً، ومفادها انه قادر ان يلعب دوراً آخر غير تدوير الزوايا والمهادنة، وانه قادر عندما يلزم الامر الى المواجهة، واذا ما واجه الخارج فهو قادر ايضاً على مواجهة الاطراف في الداخل بدءا ً من رئيس الجمهورية و​التيار الوطني الحر​، وهوسيكون مختلفاً عما كان عليه بعد تسميته في المرة السابقة ولن يقبل.

وفق لعبة الارقام، من المرجح ان يعود ميقاتي، ولكن هذه العودة ستكون هزيلة وبعدد بسيط، وقد لا ينجح في تشكيل حكومة، الا انه سيبقى فائزاً لانه سيكون في السراي بعد انتهاء ولاية عون، والى ان يتم الاتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية في وقت لا يعلمه احد بعد، مع استبعاد ما طرحه عون نفسه من ان تتم عملية الانتخاب "ما بين 31 آب و21 تشرين الأول". وبالتالي، قدّم ميقاتي نفسه على انه الحكومة والحكومة هو، بمعنى انه القادر على ان يكون نقطة الالتقاء بين الخارج والداخل حول امور اساسية، وسيتسلح بموضوع ​الكهرباء​ من دون شك لتعزيز موقفه، وبالرهان على بعض الدول الصديقة لتليين المواقف الخارجية تجاهه، وتوسيع مروحة ​الاتصالات​ الداخلية لاستقطاب من سيعوّضه عن المواجهات التي سيخوضها مع اطراف آخرين، على امل النجاح.