سُلَيمانُ الحَكيمُ في ذُروَةِ حِكمَتِهِ ما نادى عَروسَهُ إلَّا مِن لبنانَ... لِتَتَكَلَّل.

هو بالجَمالِ كلَّلَ الَنبأ الروحِيَّ مِن لبنانَ، لِيَربِطَ حَزقيِالُ مِنهُ إنبِثاقَ الحَقِّ والخَيرِ في ثالوثِيَّةٍ هي مِن قَرارِ الله، مِن حَقيقَتِهِ الألَهيَّةِ: "يا إبنَ البَشَرِ إعرِض لُغزاً وَمَثِّل مَثَلاً لآلِ إسرائيلَ، وَقُل هَكَذا قالَ السَيِّدُ الرَبُّ: إنَّ العُقابَ العَظيمَ، ذا الجِناحَينِ العَظيمَينِ، الطَويلَ القِوامِ، المُمتَلِىءَ ريشاً، الكَثيرَ الألوانِ، قَد أتى لبنانَ وأخَذَ ناصيَةَ الأرزِ"(حزقيال 17/2-3).

أفي تِلكَ الحَقيقَةِ رُنُّوٌّ الى الآفاقِ؟ لِنَعتَرِف أنَّهُ رُنُوُّ الخَلقِ في إتِّساعٍ كَونيٍّ لا فَصلَ فيهِ بَينَ هويَّةِ لبنانَ وماهيَّتِهِ، كأنَّما الله يَقولُ ليُؤكِّدَ أنَّ ذُروَةَ خَلقِ الجَمالِ، مِن لبنانَ الواهِبَ العَظَمَةَ المَخلوقَةَ، المُمتَلِئَةَ بالكَثرَةِ، والمُفعَمَةَ بألوانِ الإبداعِ، ناصِيَةَ العَظَمَةِ الخالِقًةِ: أرزُهُ "الذي غَرَسَهُ الرَبُّ".

السيِّدُ الرَبُّ يَقولُ ذَلِكَ لآلِ إسرائيلَ... وَلِلعالَمِ المُتكاثِرِ، كآلِ اسرائيلَ، في غَطرَسَةِ إبتِداعِ تَدميرِ وِحدَةِ الخَلقِ عَبرَ قَهرِ ثالوثِيَّةِ الجَمالِ والحَقِّ والخَيرِ، وَوِحدَةُ أقانيمِها السَلامُ.

ضالٌّ وَمُضِلٌّ إذ ذاكَ مَن تَنَكَّرَ لِهَذِهِ الحَقيقَةَ، مِن آلِ إسرائيلَ الى ذُرى الخَلقِ.

عاقٌّ مَن تَنَكَّرَ لِهذا المُطلَقِ.

مُهلِكٌ هالِكٌ مَن تَنَكَّرَ لِهذِهِ الجَذرِيَّةِ.

وَهوَ لَيسَ الى إنتِهاءٍ فَحَسب، لأنَّه أسَرَ نَفسَهُ في ضَلالِ نُكرانِ الحَقيقَةِ والتَنَكُّرِ لَها، بَل أكثَرَ في نُكرانِ العِقلِ والتَنَكُّرِ لَهُ، لأنَّهُ بالعَقلِ يُستِدرَكُ المُطلَقُ.

أجَل، لبنانُ، في ما هو مِن صَميمِ الله، التَحرُّرُ مِن ذاكَ الأسرِ، والتَحليقُ الأعلى للأسانيد التي بِها يِرتَكِزُ الثبات. فَهوَ مَلَكَةٌ مَنَ العَقلِ الى القَلبِ، حَيثُ الجَمالُ صِميمُهُما الأوَّلُ، والحَقُّ والخَيرُ إطارُهُما. والقَضِيَّةُ لَيسَت مِن بابِ المَنهَجِيَّةِ، التي بِها يَتَصَدَّرُ الشَكلُ مُكتَفياً بالبَرّانيَّاتِ الكَونيَّةِ، بَل في أقصى القَصِيَّاتِ التي تُكَونِنُ الزاخِرَ بالإنسانِ لِكَيما يُصبِحَ طالِبَ حَقٍّ، وفاعِلَ خَيرٍ، أيّ عاشِقَ الجَمالِ... حُرّاً الى مُنتَهى الأدهُرِ حتى ذُروَةِ تأريضِ العَلاءِ.

قُلنا حُرّاً؟ فَلنؤكِّد: حُرّاً مُوازِياً للخالِقِ بالخَلقِ وَمُتساوِياً بَينَ أقرانِهِ بَني البَشَرِ... مُنطَلَقُهُ لبنانُ المُتَعَظِّمُ في المَعرِفًةِ، بِها يؤنِسُ الألوهَةَ وَيؤَلِّهُ المُتأنسِنَ، إذ فِيهِ أكثَرُ مِن دَهشَةِ العَجَبِ، فيهِ إنبِعاثُ خُيورِ الأجيالِ في خَلقِ الإعجازِ الذي بِهِ يَنتَصِرُ الجَمالُ على البَشاعَةِ، والحَقُّ على الباطِلِ والخَيرُ على الظُلُماتِ.

هِدايَةُ البَقَاءِ

أمَرفوعٌ لبنانُ على صُلبانِ الوجودِ لأنَّهُ هَذا الجَوهَرُ؟.

ألا انظُروهُ، فَوقَ الكُلِّ مَرفوعاً، مُنذُ ما قَبلَ التاريخِ الذي بِهِ بِدأ، وَهوَ هِدايَتُهُ. وما مِن هَتكِ جَمالٍ، وَغَصبِ حَقٍّ، وإرتِهانِ خَيرٍ، على إتِّساعِ العالَمِ، إلَّا وَكانَ صالِبَهُ. وَهوَ في مَقاديرَ العالَمينَ خاصِيَّةَ وَثبَةِ القيامَةِ، لأنَّهُ هِدايَةُ بَقاءِ الجَذورِ في أعمَقِ أعامِيقِ تَوَثُّبِها وَسُطوعَ النَواصي في أعلى عَليٍّاتِ نُموِّها. هامَةٌ ما أُوتِيَ الخَلقُ تَكليلاً بِمِثلِها، تَستَقطِرُ الجَمالاتِ فَوقَ مَهاويَ الشَقاءِ، وَبَرَكَةٌ لِلجودِ في مَلَّماتِ تَشييءِ الإنسانِ.

فَيها، هَذِهِ الهِدايَةُ يَبرُزُ لبنانُ-المَلَكَةِ وَتَتَجَوهَرُ مَلَكَةُ لبنانَ في تَوازُنِ الأضدادِ بالعَقلِ وَهوَ السَموحُ بالنيِّراتِ، والسَخيُّ بالغالياتِ، والأصدَقُ في إعلاءِ الكَراماتِ، كما في وِحدَةِ الوجودِ بَينَ واقِعيَّةِ الشُموخِ وَحلولِيَّةِ الروحِ.

أقُلنا أنَّ ذُروَةَ خَلقِ الجَمالِ هي سِرُّ التَجسيدِ هذا... حَيثُ السَماءُ تَتوقُ لِجذورٍ في أرضٍ؟.

وَنسألُ بَعدُ لِمَ المَسيحُ إتَكأ عَلى صَخرٍ مِن عِندِنا كُلَّما أنهِكِهُ رَفضُ تَكونُنِ المَمسوحِ في مَسحَةِ الخالِقِ؟.