بدأ الرئيس المكلف ​نجيب ميقاتي​ الاستشارات غير المُلزِمة، باعتبارها خطوة تمكنه من معرفة خريطة الطريق. لكن واقع الاتصالات المجدية يجري في مكان آخر. ويتضح من سياق الاتصالات أن الدور الخارجي لا يزال أساسياً في الجهود القائمة لرسم آلية إدارة البلاد في الفترة الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وقالت مصادر مطلعة لـ"الاخبار" إن "ميقاتي يريد أن يظهر بأنه يملِك هامشاً واسعاً في تحديد شكل الحكومة التي يريد تأليفها، وأنه حتى الآن لم يفتح باباً جدياً للتشاور مع القوى الأساسية"، فهو "ربما يعمَد إلى وضع صيغة حكومية ومن ثم يقدّمها إلى الرئيس ميشال عون الذي سيرفضها حتماً".

ويظهر أن الرئيس المكلف ينأى بنفسه عن أي اتصالات جانبية للتنسيق مع القوى السياسية المعنية، لكن ما هو نافر على حدّ قول المصادر هو "تقصّد ميقاتي الإيحاء بأنه لا يريد التواصل مع رئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل" بما يذكر بالأسلوب الذي اتبعه قبله رئيس الحكومة السابق سعد الحريري حينَ رفضَ التواصل مع باسيل بأي شكل من الأشكال في ما خص تأليف الحكومة، مشيرة إلى أن "الرئيس المكلف لن يبادر إلى تشكيل حكومة سريعاً لأنه لا يريد، كما كل خصوم عون وباسيل، تقديم ورقة لهما في آخر العهد".

وكشفت المصادر أن "ميقاتي يستنِد إلى عدم وجود رغبة حقيقية لدى الفرنسيين الذين رشحوه مجدداً، لتأليف حكومة سريعاً، على عكس كل الفترات السابقة، إذ إنهم لا يمانعون بقاء حكومة تصريف الأعمال خلال الأشهر القليلة المتبقية حتى موعد الانتخابات الرئاسية"، لذا فإن ميقاتي "يتحدث في أكثر الوقت عن تفعيل عمل الحكومة الحالية أو التعديل في بعض الوجوه الوزارية".

على أن التطور الإضافي يتمثل في نشاط حلفاء السعودية في ما يتعلق بملف التشكيلة الحكومية. وبرزت معطيات تشير إلى أن الرياض تنصح من يعمل معها إما بإبقاء الوضع على ما هو عليه من دون تشكيلة حكومية، أو التدخل كي لا يمسك الرئيس عون وحزب الله أي حكومة جديدة ربما تكون هي مصدر السلطات في حالة الشغور الرئاسي.

وقد نصحت السعودية جميع الحلفاء بعدم اتخاذ موقف سلبي حازم من موضوع التشكيل، ولكن من دون التورط في المشاركة. وهو ما ترجمه مباشرة فريق الحزب التقدمي الاشتراكي الذي حافظ على موقفه بعدم المشاركة المباشرة في أي حكومة جديدة، لكنه أبلغ ميقاتي استعداده للتعاون في تأليف حكومة جديدة وحتى منحها الثقة.

وينطلق موقف كتلة الاشتراكي من قاعدة أن زعيم الحزب وليد جنبلاط يتصرف على أساس أن ميقاتي لن يأتي بوزراء دروز لا يوافق هو عليهم، حتى ولو كانوا من غير الحزبيين. وهو أمر محسوم أصلاً عند ميقاتي كما عند الرئيس نبيه بري وغيرهما، شرط أن يكون ذلك رهن منح الاشتراكي الثقة للحكومة.

المواقف واضحة

على انّ اللافت للانتباه في ما يتصل باستشارات الرئيس المكلف، انها لم تُضف جديداً على مواقف مختلف الكتل والتوجهات النيابية والسياسية، المعلنة منذ ما قبل استشارات التكليف، بل انها شكّلت محطة لإعادة تكرارها شكلا ومضمونا. وعلى ما تؤكد مصادر سياسية لـ"الجمهورية" فإنّ "استشارات الامس، محطة لزوم ما لا يلزم، ذلك انّ مواقف الاطراف محسومة سلفاً، أكان بالنسبة الى المؤيدين او الى المعارضين وقرارهم بعدم المشاركة في الحكومة. وطالما انّ صورة المواقف بهذا الوضوح، يفترض في هذه الحالة ان يُستفاد من الوقت، ويُستتبع التكليف بالتأليف السريع، وبالتالي ليس ما يمنع الرئيس المكلف من تجاوز الشروط والاعتراضات والتحفظات، وتقديم تشكيلة حكومته في غضون ايام قليلة، إن لم يكن قبل نهاية الاسبوع الجاري، فالاسبوع المقبل على أبعد تقدير".

وبحسب المصادر فإنّ "وضوح المواقف يُسهّل على الرئيس المكلف مهمته في اعداد تشكيلة حكومته في فترة قياسية زمنياً، خصوصاً انّ الاطراف التي قرّرت عدم المشاركة في هذه الحكومة خَفّفت عنه ثقل الوقوف على خاطرها ومُراضاتها، وبالتالي ضيّقت مساحة مشاورات الاخذ والرد حول الحكومة وحَصرتها ضمن الفريق الذي كلّفه، علماً انّ مهمّة الحكومة سبق له ان حَدّدها لإكمال طريق العلاج التي بدأتها حكومته السابقة، ومَن منحوه أصواتهم في استشارات التكليف يؤيدونه فيها".

حكومة بمَن حضر!

ورداً على سؤال عما اذا كانت الامور ستنحى في اتجاه تأليف حكومة من لون واحد، قالت المصادر: وهل انّ التكليف جاء بألوان متعددة، في اي حال، اسم حكومة اللون الواحد مُستفز، وهذا بالاساس ليس هو هدف الرئيس المكلف الذي يرغب بحكومة جامعة تتشارَك فيها كل المكونات في مواجهة الازمة. إنما الامور كما نراها تسير في اتجاه تشكيل حكومة بحجم المرحلة.

وسُئلت المصادر: هل ستشكّل حكومة بمَن حضر؟ فأجابت: لا يجب التوقف عند اي توصيفات او تسميات، نعم البلد بحاجة الى حكومة بمَن حضر، ليس بمن حضر لإكمال العدد والتشكيلة، بل بمَن هو حاضر ومستعد وراغب في الشراكة في عملية الانقاذ.

الزيارات الفرنسية مستبعدة

واستبعدت مصادر دبلوماسية عبر "اللواء" زيارة اي مسؤول فرنسي بارز الى لبنان قريبا، كما تردد من قبل، للتشاور مع المسؤولين اللبنانيين حول الاوضاع في لبنان والاطلاع على الخطوات التي تنوي السلطة القيام بها، لحل الازمة المالية والاقتصادية الصعبة التي يواجهها لبنان.

واعتبرت أن زيارة السفير بيار دوكان الى لبنان محصورة بالبحث والاطلاع على الخطوات التي قامت بها الحكومة المستقيلة، بخصوص الإجراءات الاصلاحية المطلوبة كشرط اساسي لتقديم اي مساعدات، اكانت مساعدات مؤتمر سيدر، او غيرها، لانه من دون القيام بالاصلاحات المطلوبة، ان كان على صعيد قطاع الكهرباء اوغيره، فلن تصرف هذه المساعدات.

واعتبرت المصادر ان التأخر بوضع آلية لصندوق المساعدات السعودية الفرنسية للبنان حتى الآن، وعلى الرغم من عدم الكشف عن الاسباب التي أدت لذلك، الا انه يبعث باشارات غير مشجعة، وعدم ارتياح للوضع عموما.

بدأ النقاش بالصيغ!

الى ذلك، كشفت مصادر معنية بملف التأليف لـ"الجمهورية" انه "بعيداً عن الاستشارات النيابية الشكلية التي بدأها ميقاتي مع النواب أمس، فإنّ حركة مشاورات واتصالات جرت في الساعات الاربع والعشرين الماضية، مرتبطة بعملية التأليف وتوزّعت على عدة خطوط سياسية، وكان الرئيس المكلف حاضراً فيها".

وبحسب المصادر عينها فإنّ البند الاساس التي تمحورت حوله هذه الاتصالات، هو التعجيل في توليد الحكومة، من دون إغراق مهمة الرئيس المكلف بشروط وافكار تعقد جهوده وتُربك مسار التأليف، بل تقديم كل تسهيلات ممكنة من شأنها ان تسرّع بولادة الحكومة.

ولفتت المصادر الى ان "لا خلاف على مهمّة الحكومة، وامّا شَكل هذه الحكومة فلدى الرئيس المكلف تصوّره في هذا المجال، وهو ما سيتوضّح قريباً جداً، كاشِفة عن صِيغ عديدة يجري النقاش حولها داخل الغرف المغلقة، وتبعاً لذلك فقد تكون مسودة الحكومة جاهزة في غضون أيّام قليلة ليقدّمها الرئيس المكلف الى رئيس الجمهورية لإصدار مراسيم الحكومة الجديدة".

مصير بعض الوزارات!

الّا انّ مصادر سياسية تحدثت عن صعوبات ماثلة امام الرئيس المكلف في كيفية تجاوز التعقيدات المرتبطة ببعض الوزارات، لا سيما ما يتعلّق بوزارة الطاقة والمياه والجهة التي ستسند اليها. والرئيس المكلف يبدو انه مع "تحرير" هذه الوزارة وإخراجها من الموقع العالقة فيه منذ سنوات طويلة، علماً انّ وزارة الطاقة "مُجيّرة" منذ سنوات لفريق رئيس الجمهورية، سواء لوزير من تياره السياسي او لوزير يسمّيه رئيس الجمهورية شخصياً. وبحسب اجواء هذا الفريق انه لن يتخلى عن الطاقة، كما عن وزارتي الدفاع والعدل على وجه الخصوص".

واشارت المصادر عينها إلى "عقدة ثانية واساسية كامنة في وزارة المال، حيث لا يبدو انّ ثنائي حركة "امل" و"حزب الله" في وارد التخلّي عن كون حقيبة المالية من حق الطائفة الشيعية. وهذا الأمر، معطوف على عدم تخلّي الفريق الرئاسي عن بعض الحقائب ومنها الطاقة، بدأت تتعالى حوله بعض الاصوات الاعتراضية من جهات سياسية ومراجع روحية ترفض استئثار فئة او طائفة ببعض الوزارات".

"هاتان العقدتان"، تقول المصادر، "وقد تضاف اليهما عقدة ثالثة مرتبطة بحجم تمثيل بعض الاطراف، قد يطول النقاش حولها، في مرحلة محكومة بوقت قصير، وطول هذا النقاش سيمدّ تلقائياً من عمر التكليف ومعه حكومة تصريف الاعمال وصولاً الى لحظة يفرض فيها الاستحقاق الرئاسي نفسه بنداً أولاً على جدول البلد، ويصبح معه تأليف الحكومة آخر الاهتمامات".

قبل نهاية الاسبوع

وفي سياق متصل، كشفت مصادر حكومية لـ"الجمهورية" انه بعد انتهاء الجولة الثانية من الاستشارات النيابية اليوم، سيعقد لقاء قريب بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، لجَوجلة الأفكار والطروحات النيابيّة، على ان يليه اجتماع ثان للبحث في مسودة حكومية سينقلها ميقاتي الى عون ربما قبل نهاية الاسبوع الجاري.

لا تشكيلة حكومية جاهزة

وافادت مصادر سياسية مطلعة لـ"اللواء" أن الرئيس ميشال عون ينتظر انتهاء نتائج الاستشارات النيابية ليطلع عليها من رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي. وأكدت أن الرئيسين سيعمدان إلى جوجلة هذه النتائج وليس صحيحا أن هناك تشكيلة حكومية جاهزة سيقدمها الرئيس ميقاتي إلى الرئيس عون.

وأوضحت أن ملف التأليف لا يزال يحتاج إلى نقاشات وترتيب أسماء وتوزيع وزارات وإشراك قوى أخرى لا سيما تلك التي سمت ميقاتي في التكليف.

لكن المصادر لفتت إلى أن هذه المسألة غير محسومة كما أن مسألة تعديل الحكومة الحالية تنتظر التفاهم مع رئيس الجمهورية الذي يرغب في تأليف سريع للحكومة.