لفت راعي أبرشية البترون المارونية المطران منير خيرالله، خلال ترؤّسه القدّاس السّنوي بذكرى شهداء مدينة البترون، الّذين قضوا في البحر من صيّادي سمك وإسفنج، إلى "أنّنا نحتفل بقدّاس البحر السنوي على نية شهدائنا البحّارة وجميع الذين قضوا في البحر، مجدّدين إيماننا ورجاءنا بالمسيح قبطان السفينة".

وشدّد على "أنّنا نُبحر مغامرين في بحر هائج وسط عواصف شديدة تهبّ على وطننا لبنان، على دولتنا المسرعة في الإنهيار، وعلى شعبنا الذي يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية ومعيشية وسياسية، وحتى من أزمة الطحين والرغيف، أوصلته إلى حالة ذلٍّ وفقر وبطالة وعوز لم يشهدها من قبل، وأجبرت الكثير من عائلاتنا وشبابنا ونخبة مجتمعنا على الهجرة. وهي ظاهرة تشكّل خطراً داهماً على هوية لبنان ومستقبله ودوره ورسالته".

وأشار المطران خيرالله إلى "أنّنا نلاحظ أنّنا لسنا لوحدنا مبحرين في البحر الهائج، بل نرى في العالم دولاً كثيرة، وقريبةً منا، غارقة هي أيضًا في أزمات إقتصادية وإجتماعية وسياسية وتعاني من حروب بالواسطة أو بالتقسيط، فقط من أجل مصالحها وحساباتها بالربح والخسارة، ولا يهمّها لبنان ولا أي بلدٍ آخر إلا بقدر ما يخدم مصالحها. ونحن لا زلنا نتلهى في صراعاتنا الضيّقة وغارقين في متاهاتنا الفارغة ومهاتراتنا الكلامية".

وسأل:" لكن هل نحن واعون أننا مبحرون في السفينة نفسها، كما يقول البابا فرنسيس، وأننا نواجه معًا الخطر نفسه؟ هل نحن واعون أننا متساوون في هذه السفينة؟ فلا كبير فيها ولا صغير؛ ولا غنيّ ولا فقير، ولا زعيم ولا متزلّم ؟ جميعنا مهدّدون بالغرق والموت على السواء". ورأى أن "وضعنا اليوم يشبه وضع بولس الرسول ورفاقه عندما كانوا مبحرين في طريقهم إلى روما، و"هبّت عليهم ريح عاصفة واندفعت السفينة ولم تقوَ على مغالبة الريح، فاستسلموا إليها يُساقون على غير هدىً؛ وكانت العاصفة تهزّهم هزًّا شديدًا". فاضطرّوا إلى أن يرموا الحمولة في البحر، وقال لهم بولس: "إني أدعوكم الآن إلى الاطمئنان، فلن يفقد أحد منكم حياته؛ إطمئنّوا، إني واثق بالله؛ فلا يفقد أحد منكم شعرةً من رأسه!".

وتوجه إلى "أبناء وبنات البترون ولبنان، وبخاصة الشباب والصبايا منكم"، قائلاً: "بالرغم من كل ما تعانون، وبالرغم من الرياح والعواصف والأمواج التي تضرب سفينتنا، كنيسة المسيح، وتضرب المجتمع والدولة والوطن، إني أدعوكم إلى الاطمئنان على مصيركم ومصير كنيستكم ووطنكم. إني واثق بالله وبالرب يسوع المسيح، فهو القبطان، وهو سيد البحر "يأمر الرياح والعواصف فتطيعه، ويحدث هدوء تام".

كما أضاف خيرالله: "تعالوا نرمي في البحر كل حمولتنا الزائدة، وأثقالنا، ومصالحنا الخاصة ومهاتراتنا وحروبنا الكلامية. وليكن عندنا الجرأة الكافية لنطلب المغفرة من الله ومن بعضنا البعض. فنتصالح ونتوحّد ونكتف الأيدي لنعمل معًا للخير العام وفي سبيل خلاصنا وخلاص وطننا والحفاظ على رسالة كنيستنا في المحبة والانفتاح واحترام التعددية".

وشدّد على أنّ "العواصف لن تستمرّ إلى ما لا نهاية. فهي عابرة. والخلاص قريب! نحن في مسيرة سينودسية نمشي فيها معًا في اللقاء والإصغاء والتمييز، لنسمع صوت الله ونصغي إلى بعضنا البعض. نريد، في إبحارنا اليوم من على هذه السفينة، أن نبتعد قليلاً عن الشاطئ، عن عالمنا اليومي وهمومنا وانشغالاتنا، وأن نُفرغ أنفسنا من كل حمولتها الدنيوية، لنختلي مع يسوع للصلاة ولنسمعه يلقي علينا كلمة الله. نحن نسير معًا بهدي الروح القدس الذي يملأنا بأنّاتٍ لا توصف. نسير معًا لتكون كنيستنا كنيسةَ المسيح في البترون، كنيسة القرب من الناس، كنيسةً تصغي إلى صوت الله وإلى صوت شعب الله".