كلّ الأجواء التي تُحيط بملف انفجار مرفأ بيروت تشير إلى تواطؤ "غير منسّق" يؤدي إلى استمرار تعليق العمل به. حتى الآن، لم يوقّع وزير المالية يوسف خليل مرسوم تعيين رؤساء أصيلين لمحاكِم التمييز لإعادة النصاب إلى الهيئة العامة للمحكمة، ما يمنع عملياً البتّ في دعوى المخاصمة المقدّمة ضد القاضي ناجي عيد، واستطراداً البتّ في دعاوى ارتياب ضد المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار. وحتى الآن، لم يُبتّ في طلبات نقل الدعوى من البيطار من قبل عدد من الموقوفين، من بينهم رئيس اللجنة المؤقّتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت حسن قريطم، المدير العام السابق للجمارك بدري ضاهر ورئيس الميناء في المرفأ محمد المولى. بينما لمّح نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب، أمس، إلى فشل الوصول إلى تسوية، مُشيراً بعد لقائه أهالي ضحايا المرفأ، إلى أن "التسوية ممنوعة في الملف والسلطة السياسية متجاوبة للتوصل إلى حلّ".

وعلمت "الأخبار" أن "المسعى" الذي قاده بوصعب بين بعبدا وعين التينة لحلّ هذا الملف، إضافة إلى ملفات أخرى، وصلَ إلى حائط مسدود، لذا تحدّث عن "اقتراح ناقشته مع وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري، ورئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود"، معتبراً أنه "إذا عُدّل هذا المرسوم ووُقّع بـ10 قضاة متساوين، فأنا لديّ كل الاطمئنان بأنّ هذه القصة ستُحل".

وقصة المرسوم مرتبطة بما تعتبره عين التينة "إخلالاً بالتوازن الطائفي" في الهيئة العامة لمحكمة التمييز، حيث أجازت فتوى استثنائية سابقة تعيين قاضٍ مسيحي إضافي ليترأّس الغرفة الأولى بدلاً من رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، ما رفع أعضاء الهيئة العامة إلى 11 (6 مسيحيين و5 مسلمين) بدل أن يكونوا مناصفة.

توقيع المرسوم أصبحَ شبه مستحيل

وبما أن توقيع المرسوم أصبحَ شبه مستحيل (حالياً)، تتجه الأنظار إلى القاضيتين جمال خوري وسهير الحركة اللتين يفترض أن تبتّا في طلبات نقل الدعوى.

وبحسب معلومات "الأخبار" فقد "أصبحت التبليغات في الطلب المقدّم من قبل المولى، والمُودَع لدى القاضية خوري، منجزة تقريباً"، لكنّ السؤال هل ستُصدِر القاضية قراراً بطلب نقل الدعوى من البيطار قبل بدء العطلة القضائية التي تبدأ منتصف الشهر الجاري وتستمرّ حتى منتصف أيلول، علماً أن خوري تُحال على التقاعد بعد 10 أيام من انتهاء العطلة؟ وفي هذا الإطار تساءلت مصادر في "العدلية"، التي ستشهد اليوم تحركاً لأهالي الموقوفين، عمّا إذا كانت خوري ستصدر قراراً أم ستتهرّب من ذلك، علماً أن المادة 340 من أصول المحاكمات الجزائية تنصّ على أن "تتولّى إحدى الغرف الجزائية لدى محكمة التمييز مهمة الفصل في طلب نقل الدعوى من مرجع قضائي إلى آخر. تقرّر رفع يد مرجع قضائي في التحقيق أو الحكم عن الدعوى وتحيلها إلى مرجع آخر من الدرجة نفسها لمتابعة النظر فيها، إما لتعذّر تشكيل المرجع المختصّ أصلاً أو لوقف سير التحقيق أو المحاكمة أو للمحافظة على السلامة العامة وسير العدالة"، وهنا الطلب ليسَ بسبب الارتياب من المحقق العدلي، بل بسبب تعذّر استكمال التحقيقات.

الترسيم: أزمة مستعصية

على صعيد مختلف، لفتت "الجمهورية" الى انه في الزاوية الرابعة من مربّع الرعب، فيتبدّى الملف الترسيم الأكثر سخونة، والذي ينذر باشتعال واسع ربطاً بما يستبطنه من عوامل تصعيد وتوتير.

وبحسب معلومات موثوقة لـ"الجمهورية"، فإنّ "التطورات الاخيرة التي برزت غداة تبلّغ لبنان من الوسيط الاميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل آموس هوكشتاين، الردّ الاسرائيلي على المقترحات اللبنانية، والذي اشاع جواً يفيد بأنّ "تقدّماً" قد حصل حيال هذا الملف، اكّدت انّ هذا التقدّم، ليس سوى تعابير لفظية شكلية، انما في جوهر الملف، فلا تقدّم يُذكر على الاطلاق، بل أكثر من ذلك، فإنّ هذا الملف، بالشكل الذي يقارب به اسرائيليّاً قد يكون مفتوحاً على أن تسوء الامور حوله أكثر، وتبرز تعقيدات اكبر واكثر وضوحاً، وقد تستتبعها توترات".

الجواب الاسرائيلي

الّا انّ المعلومات الموثوقة لـ"الجمهورية" من مصادر معنية مباشرة بملف الترسيم، كشفت حقيقة الجواب الاسرائيلي الذي تبلّغه المسؤولون اللبنانيون من هوكشتاين وكذلك السفيرة الاميركية التي تولّت توضيح بعض التفاصيل المرتبطة به. حيث تضمن الجواب الاسرائيلي ما يلي:

- اولاً، قاربت اسرائيل بإيجابية الطرح اللبناني الذي نقله هوكشتاين حول الخط 23، والذي يعكس الموقف الرسمي الصادر عن رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة في لبنان. ومبعث الإيجابية كما قرأتها اسرائيل انّ هذا الطرح هو الطرح الرسمي الأول الذي يبتعد عن الخط 29.

- ثانياً، انّ اسرائيل قد أنفقت في سبيل "حقل كاريش" وإعداده للاستثمار ما يقارب 15 مليار دولار. وبالتالي هي تعتبره حقاً تملكه بالكامل، ولن توقف العمل فيه.

- ثالثاً، أبدت اسرائيل استعدادها لإبداء مرونة مع لبنان في ما يتعلق بسعيه الى تثبيت الخط 23، مع "تعرجات" تتيح للبنان بأن يكون "حقل قانا" بالكامل ضمن حدوده. الّا انّ هذه المرونة مرهونة بتحقيق شرطين:

الشرط الاول، انّ "التعرّج" الذي سيسود الخط، ستتأتى منه "إنحناءات" في بعض النقاط، وبالتالي فإنّ اسرائيل، ومقابل "الانحناءة" (جنوب الخط 23)، التي تحقق مطلب لبنان بأن يصبح من خلالها "حقل قانا" بكامله ضمن حدوده، تطّلب حصول "إنحناءة" مماثلة وبذات المساحة (شمال الخط 23)، بما يتيح لاسرائيل بأن تعوّض مساحة المياه التي ستخسرها في "الانحناءة" التي يطالب بها الجانب اللبناني.

الشرط الثاني، ان يتمّ تعويض اسرائيل مالياً عن الكلفة العالية التي ستخسرها بموافقتها على "الانحناءة" جنوب الخط 23. فهذه "الإنحناءة" تحرم اسرائيل من شراكتها في "حقل قانا"، وترى اسرائيل انّ على لبنان أن يدفع لاسرائيل تعويضاً يعادل حصتها من الغاز في "حقل قانا"، وهي تقترح في هذا السياق ان يناط استثمار "حقل قانا" بإحدى الشركات، على ان توزع العائدات بنسبة 60 في المئة للجانب اللبناني، و30 في المئة للجانب الاسرائيلي و10 في المئة للشركة المستثمرة.

- رابعاً، انّ اسرائيل لا تؤيّد العودة الى مفاوضات ترسيم الحدود البحرية في الناقورة. ومردّ رفض العودة الى طاولة المفاوضات، هو انّ كل التقدّم الذي حصل في هذا الملف، حصل خارج إطار المفاوضات وبعد توقف الاجتماعات في الناقورة.

- خامساً، انّ اسرائيل وإن كانت تمانع العودة الى استئناف المفاوضات في الناقورة، الّا انّها لا تمانع ان تتمّ مراسم توقيع الاتفاق النهائي على الترسيم في احتفال يُقام في الناقورة. كما لا تمانع في ان يُقام احتفال توقيع آلية التعويض على اسرائيل عن بدل الانحناءة جنوب الخط 23، في الناقورة ايضاً.

وبحسب المعلومات الموثوقة، انّ ما تبلّغه المسؤولون في لبنان من هوكشتاين نقلاً عن الجانب الاسرائيلي، يفيد بأنّ اسرائيل قد أعطت مهلة شهرين لتبدأ بعدهما العمل. ما يعني انّها تطلب حسم الجواب اللبناني النهائي على هذه الشروط خلال هذه الفترة.

ربطاً بذلك، اكّدت المصادر المعنية بملف الترسيم لـ"الجمهورية"، انّ "الحديث عن تقدّم في هذا الملف مبالغ فيه، والشروط التي تطرحها اسرائيل مدرجة في سياق محاولة ابتزاز واضحة للبنان في ما هو حق له. وفي أي حال، الامور ما زالت قيد الدرس عبر القنوات المحدّدة. من دون ان توضح هذه المصادر ما إذا كان هذا الدرس يتطلب حضور هوكشتاين في زيارة جديدة الى لبنان".

المسيّرات

وفي هذا الملف، سألت "الجمهورية" معنيين في "حزب الله" عن الغاية من اطلاق "المسيّرات" في هذا التوقيت، فكان الجواب: "هي رسالة واضحة للاسرائيلي بأنّه ممنوع عليك ان تستخرج الغاز قبل الترسيم النهائي للحدود. وموقفنا هذا سبق للامين العام للحزب السيد حسن نصرالله ان اعلنه على الملأ".

وحينما يُقال للمعنيين في الحزب بأنّ "مسيّراته" تشكّل عامل توتير لهذا الملف وما هو أبعد منه، يقولون: "من يفتعل التوتير هي اسرائيل، لأنّها تستخرج الغاز والنفط من منطقة متنازع عليها، وهذه المنطقة ستبقى متنازعاً عليها طالما انّ الحدود لم تُرسّم حتى الآن بصورة نهائية".

متابعة غربية لزيارة هنية

تتقصّى سفارات غربية عدة باهتمام تفاصيل زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية لمعرفة أسبابها وما نتج منها، في ظلّ تقارير من العدو الإسرائيلي عن تقدم حضور حركة حماس في بعض المخيمات الفلسطينية على حضور حركة فتح، وذلك بحسب صحيفة "الاخبار".

"غموض" حول الهبة القطرية

الى ذلك، ذكرت "الاخبار" بانه لم تتضح بعد الآلية التنفيذية التي سيقوم على أساسها الجيش اللبناني بتلقي الهبة القطرية التي أعلن عنها أخيراً بقيمة ستين مليون دولار، وما إذا كان الأمر سيعرض على مجلس الوزراء وهل سيتم صرف الأموال بالدولار أو بالليرة.