هل نحن في دولة تحترم القوانين وصاحبة السيادة والإمتياز المطلق على أراضيها أم هي مُجرّد ساحة لتبادل الرسائل إقليميًا ودوليًا دونما حسيب أو رقيب؟ نحن بحاجة إلى خريطة طريق لبناء دولة الإنسان، دولة السيادة المطلقة، دولة الحرية، لا دولة القمع والمراجل على الضعيف، دولة تحترم رعاياها من أي فئة كانوا سواء علمانيين أو روحيين، دولة لا يتّم تركيب ملفات ظلم فيها، دولة تحترم القوانين ولا تهملها ولا تُسيِّسها غبَّ الطلب، دولة حُكامها شرفاء أصحاب أيادي بيضاء غير مُلوّثة بلغة العار والنميمة والدعارة، دولة لا يترك أركانها أوراقًا وصورًا إباحية في أهم مركز تشريعي أي مجلس النوّاب، دولة تُكرِّمْ كبارها بعد جهدٍ وعملٍ مضنٍ لا تسرق مدّخراتهم ولا تستعطي بإسمهم.

ما يجري في لبنان من إضطرابات وسرقات وتصريحات أقل ما يُقال عنها أنها عنتريات فارغة وأصوات عالية لا يمكن أن يحصل في أي دولة تحترم نفسها، دولة فيها بعض الموظفين والمسؤولين لصوص وناهبين ومرتشين، دولة تُخالف نص المادة الرابعة عشرة من قانون الموظّفين التي تُلزم الموظف أن "يستوحي في عمله المصلحة العامة من دون أي تجاوز أو مخالفة أو إهمال". دولة تُهمل تطبيق ما تنص عليه المادة 15 من قانون الموظّفين حيث "تمنعه القوانين والأنظمة وتحظّر فقرتها الثالثة أن يضرب عن العمل أو يحرض غيره على الإضراب"، هل يُعقل أن يقصد المواطن اللبناني إدارات دولته ويراها مُضربة عن القيام بمهامها لأنها تعاني الإهمال؟.

المؤسف أنّ هذا النوع من الحُكام هم طبقة سياسية متآمرة على وجود الشعب ومستفيدة كيديًا، وفي كل بلدان العالم فإنّ الترشح للإنتخابات النيابية يكون من خلال برنامج عمل للمرشّح يشرح فيه خطّته وعلى ضوئها يحاسبه الشعب، في حال إلتزم بالتنفيذ بناءً على الوعود التي قطعها، أو تقاعس وغرّر وضلّل... الخطر في لبنان أنّ بعضًا من الرأي العام مكوّن من أشخاص مستفيدين يسيطرون بـ"البَهْوَرَة" على مقدرات البلاد ويُصادرون كل أجهزة الدولة المدنيّة وبعض الأمنيّة لصالحهم، ويقيمون نظامًا فاسدًا ويسهرون على تطبيقه، بينما هناك فئة شعبيّة محرومة من كل خيرات لبنان طالما هناك جهل وإستفراد سلطوي وشعب مغبون ومغلوب على أمره، تحكمه طبقة فاسدة بالبطش وتحاكمه إستنسابيًا.

الجمهوريّة اللبنانية باتت سليبة الإرادة ولدى مراجعتي أحد مستشاريّ في بيروت عقب مناقشة موضوع السّيادة الوطنية، شرح ضمنيًا كيف تدرج هذا النظام اللبناني من نظام ديمقراطي سليم إلى نظام دكتاتوري إستبدادي، ودولة تُستباح فيها كل القيم والأعراض والكرامات، وتحوّل الشعب علمانيًا أو روحيًا إلى غنيمة بيد سلطة مستبدّة دكتاتورية أصوليّة مغطّاة من بعض عواصم القرار، لأنّ الذين إستخدموا السلطة جيّروها للغريب مقابل رشوة سياسية أفقدت البلاد عذريتها السياسية والسيادية والأخلاقية.

هل نحن دولة ذات سيادة أو مزرعة يخجل الحيوان من الإقامة داخلها؟ عذرًا وصلنا إلى هذا القدر المشؤوم وبسببه طرحنا هذا السؤال... دولة تحكمها هيمنة السلاح التابع لمنظومة سياسية صادرت كل مؤسساتها بما فيها السلطة التشريعية، وإتخذت صيغة التحالف مع قوى مأجورة وقوى تُهيمن بالقوّة والسطوة على مراكز القرار، ولولا صيغة التحالف وغضّ النظر من قبل أصحاب الأدوار واللاهفين عليها لما إستطاعت سلطة العار أن تكمل مسيرتها الإقصائيّة. عسانا بهمتنا وبهمة المناضلين الشرفاء نتحرّر من تقديم التنازلات، والمرضى عقليًا تمهيدًا للإنتقال إلى تغليب الخير على الشر لبعض القواعد السياسية التي من شأنها إعادة تصويب الأمور إلى ما كانتْ عليه. إنني أوجه الدعوة الصادقة من القلب لكل مناضل شريف لعمل سياسي نضالي وأبواب مكاتبنا مفتوحة للخير ومقفلة بوجه الأشرار.