في الوقت الراهن، تتكاثر التحليلات عن السيناريو الذي قد يذهب إليه لبنان في الفترة المقبلة، خصوصاً أن صورة الإستحقاقات المنتظرة، لا سيما الإنتخابات الرئاسية وترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، لا تزال غير واضحة، الأمر الذي يدفع بالعديد من القوى السياسية إلى تقديم طروحات تبدو غير منطقية.

قبل ظهور نتائج الإنتخابات النّيابية الماضية، كان البعض في لبنان يتخوّف من تكرار السيناريو العراقي، لا سيما أن هناك من كان يلمح إلى أنّ المطلوب أن يكون لدى هذا الفريق أو ذاك القدرة على تعطيل الإستحقاقات الدستورية، في حال لم يكن، من الناحية العددية، قادراً على حسمها لصالحه.

في الوقت الراهن، تؤكد صورة المجلس الحالي أن ليس هناك من أكثرية واضحة، بل مجموعة من الكتل التي تملك "الفيتو"، الأمر الذي يبرر الحالة الضبابية التي يشهدها الملف الرئاسي، فقوى الثامن من آذار تحتاج إلى التفاهم مع "التيار الوطني الحر" وكتل أخرى لتأمين الأكثرية، بينما حزب "القوات اللبنانية" يطرح، منذ مدة، ضرورة التفاهم مع القوى المعارضة، لتأمين الأكثرية أو القدرة على التعطيل بالحد الأدنى.

بناء على ما تقدم، لا تستبعد مصادر نيابية، عبر "النشرة"، عودة الحديث عن السيناريو العراقي في الأيام المقبلة، أي التعطيل الذي يعرقل الإستحقاقات الدستورية، لا سيما أن الجميع يدرك صعوبة الوصول إلى تفاهمات محلية لتفادي ذلك، لكنها تشير إلى أن ذلك قد يدخل البلاد في مرحلة هي الأخطر منذ السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019.

بالنسبة إلى هذه المصادر، مصدر هذا الخطر يكمن بداية من إحتمال الذهاب إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل، في حال عدم الوصول إلى تفاهم حول ملف ترسيم الحدود البحرية، بالرغم من أنها لا تزال تستبعد ذلك حتى الآن، بالإضافة إلى إحتمال أن تشهد البلاد حالة من الفراغ في سدة الرئاسة الأولى، الأمر الذي بات مرجحاً بقوة في ظل المعطيات الحالية.

وسط كل ذلك، ما تقدم لا يجب أن يلغي من دائرة الحسابات إحتمال أن تشهد البلاد موجة جديدة من التدهور الإقتصادي والإجتماعي، من المتوقع أن تترافق مع إرتفاع حدة السجالات السياسية، التي تأخذ أبعاداً طائفية، حول العديد من الملفات، ما قد يقود في لحظة ما إلى توتير الأجواء الأمنية، ولو كان ذلك ضمن الأطر المحدودة.

في هذا الإطار، من الضروري التوقف عند بعض النقاط الهامة، من أجل فهم حقيقة ما يحصل على الساحة اللبنانية، أبرزها عملية الإغتيال التي حصلت في مخيم عين الحلوة لأحد القياديين في حركة "فتح"، بالإضافة إلى ملامح الإستدارة التي كان قد أظهرها رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط بإتجاه "حزب الله".

في قراءة مصادر سياسية متابعة، ما حصل في عين الحلوة يؤكد إمكانية تحريك بعض البؤر المعروفة في الداخل اللبناني لتوجيه رسائل معينة، الأمر الذي لا ينفصل عن المعادلة الجديدة التي طرحها أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، بالنسبة إلى إحتمال إستهداف إسرائيل شخصيات متواجدة في لبنان، سواء كانت فلسطينية أو لبنانية.

بالتزامن، تلفت المصادر نفسها إلى أنه على عكس ما يتم التداول به حول مواقف جنبلاط، ما ينبغي التوقف عنده هو أن رئيس "الإشتراكي" يذهب إلى إعادة التموضع السياسي في حالتين: الأولى عندما يشعر بوجود موجة من التصعيد مقبلة، الأمر الذي يدفعه إلى محاولة تحييد نفسه، أو الثانية فهي بروز معالم تسوية كبيرة، يسعى قبل حصولها إلى ضمان موقعه فيها.

في المحصّلة، تعتبر هذه المصادر أن خطورة السيناريو العراقي، في ظل الأوضاع المفتوحة على كافة الإحتمالات، تكمن بأن الأوضاع الداخلية لا تحتمل الذهاب إلى أي تصعيد، في ظل إنشغال اللاعبين الدوليين والإقليميين بملفات أخرى، بالرغم من تشديدها على أن هناك أوراقاً في الداخل اللبناني قد تدفع هؤلاء اللاعبين إلى إعادة درس خياراتهم.