لم يعد هناك من شك، ان المواجهة بين رئيس حكومة تصريف الاعمال ​نجيب ميقاتي​ والنائب ​جبران باسيل​ باتت مفتوحة وعلى السطوح، بعد ان قرر الاثنان خلع القفازات والتخلي عن الدبلوماسية والغمز والتلميح والدخول الى الحلبة مباشرة ومن دون مواربة. وما قاله ميقاتي في مقابلته الاخيرة حول تغيير رأي رئيس الجمهورية وايفاده مدير عام الرئاسة انطوان شقير الى السراي الحكومي للقول ان الامور "مش ماشي حالها"، اتى بعد سجال متجدد بين ميقاتي وباسيل استعملت فيه كل كلمات التوتر والهجوم، وقالها رئيس الحكومة المكلّف بوضوح انه لن يأخذ في الاعتبار رأي باسيل في ​تشكيل الحكومة​. وبعد هذا القول، اتى الكلام عن حمل شقير الجواب بأن الامور ليست على ما يرام في ما خصّ الوضع الحكومي، ما يعني بوضوح اتهام ميقاتي لباسيل بعرقلة ما تم الاتفاق عليه في بعبدا مع رئيس الجمهورية.

لا شك ان هذه المعركة لا تزال "مضبوطة" نوعاً ما بفعل عدم انتهاء ولاية رئيس الجمهورية التي تمتد الى 31 تشرين الاول المقبل، ولكنها ستستعر بشكل جنوني بعد هذا التاريخ لسببين اساسيين: الاول ان ميقاتي يراهن انه سيكون المرجع التنفيذي الاول في البلاد بعد تسلّم الحكومة مهام رئاسة الجمهوريّة وسيكون من يعارضه اليوم في موقف ضعيف بعد زوال الغطاء الرئاسي بفعل انتهاء الولاية رسمياً. اما السبب الثاني فيعود الى ان باسيل يراهن انه سيكون العقبة الاولى امام توقعات ورهانات ميقاتي، وذلك من خلال الوزراء الذين "يمون" عليهم في الحكومة والذين يحتاج رئيس الحكومة المستقيلة الى موافقتهم مع كل الوزراء للسير بأيّ قرار يتم اتخاذه. وسيدخل رئيس التيار الوطني الحر الحلبة وهو يكسب صوتين سلفاً هما وليد فياض وامين سلام بعد ان اكّد ميقاتي نفسه رغبته في استبدالهما في الحكومة الجديدة التي كان ينوي تشكيلها، اضافة الى صوت معارض بقوّة هو وزير شؤون المهجرين عصام شرف الدين الذي لا يدع مناسبة الا ويشدّد على البعد الشاسع بين رؤيته ورؤية الساكن الحالي للسراي الكبير حول عدّة مواضيع وفي مقدّمها موضوع النازحين السوريين.

رهان من هنا وآخر من هناك، في ظرف لا يحتمل الرهانات ولا المماحكات، ولن يكتب الحل كالعادة الا بعد التدخل الخارجي دولياً عبر اطراف اقليمية وسيناريو محلي، عندها تتبدد كل الخلافات وتسقط كل المعارضات وتعود الامور الى مجاريها ويصبح اخصام الامس اصدقاء اليوم وذلك "من اجل المصلحة اللبنانية العليا" التي، وللصدفة، لا تظهر الا بعد تقديمها على طبق دولي. محطّات كثيرة تنتظر لبنان واللبنانيين تبدأ بالترسيم الحدودي البحري ولا تنتهي بالازمة الاقتصادية والمالية والمعيشية، التي اوضح الجميع ان بداية حلها لا تكون الا مع ​صندوق النقد الدولي​، فيما ​الانتخابات الرئاسية​ باتت على الابواب. بلبلة في السياسة، وضياع في الاقتصاد والحياة اليومية، وتشتت في الرؤية الموحدة للحلول، وتعارك محتدم في شق الساكن الجديد الذي سيستضيفه قصر بعبدا في وقت مجهول... كل هذه الامور باتت معلقة بانتظار ما ستسفر عنه معارك اثبات الذات بين ميقاتي وباسيل بعد تاريخ 31 تشرين الاول المقبل، ولكن ما سيحصل قبل هذا التاريخ قد يحدّد مسار المعركة إنْ في مجال ​ترسيم الحدود البحرية​، او في مجال ​الاتفاق النووي الايراني​ وانعكاسه على الساحة المحلية بالشقين السياسي والاقتصادي، والدور الاكبر الذي يمكن ان تلعبه فرنسا في هذا المجال والتي لا يخفى دعمها الحالي لبقاء ميقاتي في مكانه على الاقل خلال المدى المنظور، وتسهيل اموره من خلال تذليل العقبات مع الاطراف الاخرى. من سيكسب الرهان؟ الجواب ما بعد 31 تشرين الاول.