تعج البلدات الجنوبية في منطقة النبطيّة حاليا بالزوار من أبنائها القاطنين في بيروت وبلدان الاغتراب، فيعمل السكان خلال الصيف لاعداد المونة البلدية للشتاء، التي ارتفعت أسعارها مقارنة بالعام الماضي بنسبة 150 بالمئة، نظراً لارتفاع أكلاف الزراعة التي تدخل في التصنيع، بسبب ارتفاع سعر صرف ​الدولار​ وتراجع العملة الوطنية بنسبة 90 بالمئة.

ويقتصر اعداد المونة على المبادرات الفردية التي تشارك فيها البلديات والجمعيات الزراعية والإنمائية، وتتعدد أشكالها وانواعها من خلال انتاج الزعتر واللبنة البلدية والكشك والبرغل والمربيات وربّ البندورة وكبس الزيتون، بنوعيه الأسود والاخضر، والفلفل والمكدوس، بالإضافة إلى تجفيف الملوخية وتحضير ماء الزهر والورد والعسل والفريك وزيت الزيتون ودبس الرمان، ومختلف الأصناف التي تصنع من الإنتاج الزراعي في بلدات النبطية وإقليم التفاح، والتي تنهمك النسوة بتصنيعها.

وتباع هذه المنتجات في جميع المناطق بناء لطلبات مسبقة، وتعرض في معارض المونة في النبطية، وتصدّر أيضاً للخارج لأنها تفوق حاجة الاستهلاك المحلي، وهي لذيذة المذاق نموذجية الصنع والحفظ، وعادة ما تطهى أنواعها على الحطب توفيراً للتكلفة على المنتجين، ولأن مذاقها مع الحطب أذكى وأطيب.

في هذا السياق، تشير منى محمد جميل، من بلدة يحمر، إلى أننا "نختص باعداد الزعتر وندخل اليه السمّاق والسمسم، حيث نقوم في الصباح الباكر لقطفه من الأودية المحيطة بالبلدة".

وتلفت إلى وجود "زبائن يدفعون أكثر، تحسساً معنا لاوضاعنا الصعبة وتعبنا في اعداد الصعتر الذي يحتاج إلى وقت، وهناك من يزرعه في خيم ويقطفه في الصيف، وانتاجنا بلدي وذو رائحة زكية وطعم لذيذ، وهو يستخدم في صناعة المناقيش".

من جانبه، يوضح نائب رئيس بلدية يحمر الشقيف ورئيس جمعية الانماء في البلدة فؤاد قرة علي إلى أننا "قدمنا للمزارعين إرشادات وتوجيهات حول التصنيع، ونفخر أن ​وزارة الزراعة​ صنّفت، العام الماضي، بلدتنا بلدة زراعية نموذجية"، ويضيف: "لنحافظ على هذه السمعة الطيبة نشجّع النسوة والرجال على الالتزام بصحة وسلامة الأنواع المصنّعة من المونة البلدية"، ملاحظاً أن اكلاف الزراعة ارتفعت كثيراً نظراً للوضع الاقتصادي.

ويلفت إلى أن "المونة البلدية بامكانها أن تحل مكان المعلّبات في هذه الأيام، لانها مصنعة من التراث الزراعي الجنوبي".

من جانبه، يشير رئيس جمعية "للجميع بيتنا" محمد سعيد إلى أننا "نوزع الحصص التموينية على الفقراء ونعمد إلى شراء الزعتر من مزارعي البلدة وضمّه إلى تلك الحصص، كما نشتري ربّ البندورة وماء الورد والزهر بأسعار تشجيعية، فلا غنى عن الإنتاج البلدي الزراعي، ونشجع المزارعين على عملية التوضيب بشكل جيد ليباع في بلاد الاغتراب، وحتى في الولايات المتحدة، الأرجنتين وقارة أفريقيا".

ويلفت إلى أن المونة الشتوية عرفتها البلدات الجنوبية منذ 50 عاماً، وكانت مقتصرة على اعدادها للبيوت والمنازل، خصوصاً في البلدات التي تعرف شتاء قاسياً وبرداً وثلوجا، فيبقى السكان في بيوتهم ويلجأون إلى المونة الشتوية وخبز الصاج.

بدوره، يشير المزارع قحطان عليق، وهو صاحب معرض للمونة في كفررمان، إلى أنها توسعت لتشمل "اللبنة" بكل انواعها والزيتون الاسود والاخضر وزيت الزيتون واليقطين ودبس الرمان والمكدوس والملوخية المكدوسة تاخضراء أو المجففة والتين والعنب المجفف والمخللات وماء الورد والزهر والحر والفلفل والعدس والعدس المجروش والباميا والفاصوليا العريضة، ويرى أن "مؤونة ​الشتاء​" تبقى عصب الحياة حيث يضطر المواطنون إلى اللجوء إلى ما اعدوه خلال الصيف.

بينما تشرح جمانة قاسم كيفية اعداد "ربّ البندورة"، مشيرة إلى أنه يجب غسل البندورة الناضجة والحمراء جيداً بعيداً عن الفطريات، ومن ثم تقطيعها وعصرها للتخلص من القشور والبذور، ثم وضع عصيرها في قدر كبير، وتصبح جاهزة للطهو بعد زيادة الملح القليل عليها وتوضع على موقد، يفضل أن يكون من حطب والنيران مرتفعة، وتحرك بمعلقة خشبية كل طبخة لمدة ساعتين، وبعد الانتهاء يوضع معجون البندورة في وعاء كبير مستدير، تحت أشعة الشمس، ويترك ليبرد بعد اضافة الملح القليل له، لمدة أربعة أيام، ويحرّك ومن ثم بترك في الهواء ليومين، وطبعاً مع تغطيته بقطعة قماش نظيفة ورقيقة لابعاد الحشرات، ومن ثم يخزن".

في حين تحدثت احمال قرة علي عن أن صناعة شراب الرمان تعتمد على النظافة وسلامة وصحة الغذاء، وتمتدّ عملية صناعتها نحو 10 ساعات متواصلة، تبدأ بتحضير الاكواز وتنظيفها وصولاً إلى غلي حبوبها على النار مدّة 8 ساعات وتعبئتها في قناني زجاجية نظيفة معقمة، وتوضح أن موسم صناعة شراب ورب الرمّان يبدأ في أيلول من كل عام ويستمر شهرت كاملاً حتى أواخر تشرين الأول.