لفت رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع ​عبد الهادي محفوظ​، في مقاربة له عن بناء "دولة المواطنة" لدى الإمام ​موسى الصدر​، إلى أنه "في ذكرى تغييب الإمام الصدر، يحضر في الذهن البناء الفكري الذي وضعه والذي في أساسه الربط بين مكوّنات ثلاثة، الوطن والمواطن والدولة، بحيث اعتبر أن الدولة هي سياج الوطن وأن الهوية الوطنية هي هوية المواطن وليس الهوية ​الطائفية​. لذلك اعتبر الإمام أن الطائفية هي علة النظام الطائفي الذي يؤسس لحروب أهلية تقطعها هدنات موقتة وعابرة. وأن هذه الحروب تعيد إنتاج النظام الطائفي وتجدده".

وأوضح أن "وجهة الإمام الصدر كانت بناء دولة مدنية على قاعدة المواطنة عبر حركة سلمية تقوم على بناء الحاملة الإجتماعية للتغيير والإصلاح، مستفيدا من التجربة الإصلاحية كالرئيس فؤاد شهاب التي حاولت ربط الجهات بالدولة وبناء المؤسسات وفتح المجال أمام أصحاب الخبرة والكفايات خارج حسابات الإقطاع السياسي أو الحسابات الطائفية. فكان مجلس الخدمة المدنية وديوان المحاسبة والمؤسسات الرقابية وكانت المحاولات الإنمائية في بعلبك – ​الهرمل​ و​عكار​، بحيث قال فؤاد شهاب للسياسي جان عبيد (إذا عتّمت في الهرمل ستعتم في بيروت وكل لبنان). وهكذا أوصل الكهرباء إلى الهرمل وأيضا الطرقات والمدارس. لكن تجربة فؤاد شهاب تعطلت لأربعة أسباب، أولا معارضة الزعامات ​الطوائف​ية لها وتحديدا المارونية منها. ثانيا محاولة الإنقلاب العسكري الذي قاده ​الحزب السوري القومي الإجتماعي​. ثالثا عدم تكوين حالة جماهيرية تحمي الإصلاحات، ورابعا دور الشعبة الثانية التي أمسكت بالأمور بعد انقلاب القوميين".

وأشار محفوظ، إلى أن "الإمام موسى الصدر سعى إلى تجنب أخطاء الشهابية السياسية، فحيّد الزعامات السياسية المارونية وكسب الكنيسة. كما نجح في كسب سنة ومسيحيي الجهات في مناطق الغلبة والكثرة الشيعية، كونهم الأكثر تضررا على كل المستويات بفعل سطوة المرجعيات السياسية الطوائفية المركزية وعدم إيلائها شأنا لهؤلاء. أكثر من ذلك إستمال خطابه النخب والمثقفين في كل الطوائف. فعندما تكلم عن ضرورة إنصاف المحرومين لم يقصد الشيعة وحدهم. فالحرمان هو "المشترك" بين المحرومين في كل الطوائف وساعده في ذلك المطران غريغوار حداد الذي كان له تجربة رائدة في الحل الإنمائي وفي بناء المستوصفات وفي تأسيسه للحركة الإجتماعية، التي اعتبرت أن لا تناقض بين القيم العلمانية والدينية حيث يلتقيان في البعد الإنساني والإيماني".

وأردف أنه "إلى جانب المطران غريغوار حداد كان المطران جورج خضر وأيضا الأب يواكيم مبارك الرائد في إدارة المعرفة الإنسانية الجمعية بين الجوانب مقتبسا من الإمام الصدر لمفهوم الطائفية الإنسانية. وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى المئة مثقفا الذين أيدوا الإمام الصدر في مقاربته للإصلاح والدولة وكان من بينهم رئيس تحرير جريدة النهار غسان تويني والدكتور حسن صعب ومحمد المجذوب".

وأوضح محفوظ أن "مقومات البناء الفكري عند الإمام الصدر تقوم على عدة عناصر، وهي فكرة الدولة الملجأ لكل المكونات على قاعدة المواطنة الواحدة، العدالة الإجتماعية، الوحدة الوطنية، الحوار لمعالجة أي خلاف، التناقض الأساسي في المنطقة هو مع اسرائيل ما يفترض أن تكون ​المقاومة​ خيار الأمة والديبلوماسية سلاحا مكملا لدى الأنظمة السياسية، استبعاد سياسة التحدي في العلاقات بين المكونات والطوائف والقوى السياسية، "الدين في جوهره هو واحد غايته بناء الإنسان وإزالة الحواجز التي نصبتها عوالم مفتعلة يبرأ منها دين اللله الحق" والقاسم المشترك بين المسيحية والاسلام هو الإنسان الذي هو هدف الوجود والمحرك للتاريخ"، كما "ابراز القيم المشتركة بين الديانتين الإسلامية والمسيحية، ورفض فكرة الذمّية التي ترتب شروخا في المجتمعات العربية".

وشدد على أن "الإمام موسى الصدر هو أول من تكلم عن حوار الحضارات عندما استنتج بأن الصيغة اللبنانية تعني "التمسك بوحدة لبنان وانسجامه مع المنطقة وصيانة كونه أمانة للحضارة العالمية"، وتابع معدداً العوامل: "الاعلام في البناء الفكري للإمام موسى الصدر يرتبط بالوظيفة التي تعطى له فإما أن يكون بناءً أو هداما. وهو يرى بأن الإعلام له وظيفة تربوية وتثقيفية باتجاه تعميق الوحدة الوطنية والمواطنة. فالحرب على ما يقول "ليست فعل المدافع فقط بل هي أيضا حرب العقول والنفوس والألسن أيضا. فالألسنة والأقلام خاضت حربا تجاوزت في شراستها الأسلحة الفتاكة فاختلفت وشوّهت وحبّبت وكرّهت وضخّمت وصغّرت وحطّمت وتجاوزت حدود أفكار غوبلز".

ورأى أن "الإمام الصدر أعطى الكثير من الوقت لمعالجة "فكرة الدولة" فدولة "لبنان الكبير" حسب تصوره ليست سوى امتداد لنظام المتصرفية بإلحاق شكلي للأقضية الأربعة إداريا، بحيث بقيت الدولة الفعلية والعميقة في حدود دولة المتصرفية من دون أن تستفيد الجوانب من حضور الدولة إنمائيا وإداريا وبقيت مصدرا لأحزمة البؤس في ضواحي بيروت تطوّق العاصمة كعنق الزجاجة، وكل ذلك ناجم عن الخلل بين المركز والجوانب. من هنا كانت دعوة الإمام الصدر إلى "دولة المواطنة" التي تلغي السقوف المتعددة للمواطنية".

وتابع محفوظ: "لا شك أن الحرب الأهلية وضعت سدودا فعلية أمام "المسيرة السلمية" للإمام موسى الصدر فأنتجت "الفتنة الأهلية" التي حاول إيقافها بالإعتصام وبرفض الطروحات التي تدعو إلى "عزل الكتائب"، مشددا على الحوار والتنازلات المتبادلة وعلى وقف الحرب بأي ثمن. ورغم تشديد الإمام الصدر على أن "الأديان هي واحدة عندما نلتقي في الله. وخدمة الإنسان هي الطريق إلى الله وأن القاسم المشترك بين المسيحية والإسلام الإنسان الذي هو هدف الوجود وبداية المجتمع والغاية منه والمحرّك للتاريخ". رغم هذا التشديد كانت الأمور تأخذ منحى آخر كون لبنان أصبح ساحة للمواجهات العربية – العربية التي حاول وضع حد لها فكان تغييبه بقرارا كبير".

وأكد أن "البناء الفكري للإمام الصدر يصلح لمعالجة ما نحن فيه حاليا. فتراجع فكرة الدولة وبروز "نظريات جديدة" على الوضع اللبناني من نوع "الديموقراطية التوافقية" والميثاقية الطوائفية التي تعني تمثيل الأقوى في الطائفة. يضاف إلى ذلك واقع الدولة الرخوة التي تحمل توصيفات الدولة الفاشلة بحكم العجز عن معالجة الأزمات المعيشية والإقتصادية والإجتماعية والسياسية ومعها أزمة الكهرباء والإستشفاء والرغيف وارتفاع سعر الدولار وانهيار العملة اللبنانية. كل ذلك يدفع نحو البؤس واليأس والمزيد من الإنهيارات ما لم يغلب اللبنانيون لفكرة المشترك بينهم وحل مشاكلهم بالحوار قبل أن تداهمنا مشاريع الفيدرالية والكونفيدرالية والمواطنة في طائفة لا في وطن مع ما يستتبع ذلك من اقتتال على حدود الكانتونات الواقعية".