من الطبيعي أن وضع الدولة المنهارة والمتحللة يسري على مراكز تمثيلها في القنصليات والسفارات اللبنانية، ومن غير المستغرب أن تلوّح او تنفّذ أضرابا لأنّ موظفيها لا يتقاضون رواتبهم منذ 5 أشهر ولا النفقات التشغيليّة منذ 8 أشهر.علما ان الرواتب تكلّف سنويا 30 مليون دولار. ولدى لبنان 75 سفيرًا معتمدًا و15 بعثة وقنصلية في الخارج. إلا أن المشكلة الخارجيّة أكبر واعمق وسينسحب عنها تداعيات خطيرة، فإذا كانت الحكومة اللبنانيّة بإمكانها تدبّر أمرها بطباعة العملة الوطنيّة، إنّما كل الأكلاف التشغيلية في الخارج هي بالعملة الخضراء والدولة تعاني من شح في الإيرادات بالعملة الصعبة...

في هذا السياق دلّت زيارة ميدانية الى قنصلية لبنان في سيدني بوضوح على حجم المشكلة الكارثيّة، اذ ان حجم الملفّات تضاعف 10 مرات، فيما عدد الموظفين تقلّص الى الثلث. وإذا طرأ أي عطل مفاجئ على الأدوات والأجهزة فلا مال لتغييرها او اصلاحها، فتُعالج الامور بالتي هي أحسن،إما من خلال تقديمات أو مبادرات فردية. مع العلم ان القنصلية لم تقفل أبوابها خلال جائحة كورونا بل استمرّت بالحد الأدنى من الموظفين وبينهم من تطوعّ لعدم التأخّر بالمعاملات.

أليس الأجدى بالمسؤولين الإلتفات لحل هذه المشكلة لأنها أولاً تؤمن مصالح اللبنانيين المنتشرين في الخارج، ومن جهة ثانية تدخل إيرادات غير قليلة بالدولار الى الخزينة اللبنانية، خصوصا أن كل الخدمات هي بالعملة الصعبة، ناهيك عن الإساءة اللاحقة بسمعة لبنان في الخارج اذا توقف عمل السفارات والقنصليات اللبنانية.

من جهته رئيس الإتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين وعميد كلية ادارة الأعمال في جامعة القديس يوسف د.فؤاد زمكحل وصف عبر"النشرة" أزمة السفارات بالكارثة متسائلا: "لماذا نتفاجأ، فالسفارة تمثل الدولة اللبنانية وتتموّل منها وهي أراضٍ لبنانية في الخارج".

وتابع "اننا نعيش انهيار كل مؤسسات الدولة من وزارات ومصالح، ولم يعد للمؤسسات الرسميّة القدرة لتأمين أقل شيء ممكن ولا سيّما الأموال التشغيلية. واذا ركزنا على السفارات أتعجب كيف ستدفع الدولة الإيجارات ورواتب الموظّفين وتأميناتهم وهي لم يعد لديها أي مدخول بالعملات الصعبة، ولا تتقاضى إيراداتها على معدل 1500 ليرة للدولار. وهي تصرف ما تبقى من الاحتياط الموجود في مصرف لبنان من ودائع اللبنانين.

وخلص د. زمكحل الى "انها أزمة كارثية والسفارات لن تتمكن بعد اليوم من تقديم الخدمات المطلوبة... نحن نعيش ضمن سجن كبير واللبناني محكوم بمواجهة الأزمة".

وأضاف "لا ننسى أن 80 % من حاجياتنا نستوردها كالبترول والبنزين والغاز. مما يعني ان حاجاتنا للفريش ضخمة وهذا جعل السوق الحر يتجه حاليا الى الدولرة، متسائلا والسؤال هل ستأخذ الدولة بدورها هذا الإتجاه مع العلم أن لهذا الأمر بعض الايجابيات مع سلبيات كثيرة، ورأى أن الأزمة نفسها تشتد مع تقدّم الوقت في حين لم يتحقق بعد أي أصلاح أو اي مشروع لإعادة الهيكلة وما زلنا نسير ببطء في التشريعات. والسياسيون في كوكب آخر، أولوياتهم الإستحقاقات القادمة، في حين أن الشعب رهينة هذه الكارثة مع وجوب ألا ننسى ان المسؤولين تسبّبوا بأسوأ أزمة عالميّة إقتصادية إجتماعية، وفشلوا في ادارتها، ويدفع ثمنها موظفو مؤسسات الدولة والسفارات في الخارجعلما أنّهم لم يقوموا بمشروع واحد بنّاء!.

اذن، بناء على ما تقدم يتركز إهتمام المسؤولين في هذه الآونة على الإستحقاق الرئاسي المقبل، الذي هو على قدر أهميّـته بالتأكيد لكن ليس على حساب إهمال مصالح لبنان الحيوية في الداخل والخارج،فلا نرى الا مطاحنات الأفرقاء السياسيين على حساب الوطن والمواطنين وفقًا لمصالهم ومكاسبهم.