أمام زواره في الديمان، يسرد البطريرك ​بشارة الراعي​ تفاصيل زيارات طارئة خاطفة وبعضاً من محاضر اجتماعاته مع كبار المسؤولين في العالم، ما يشير إلى أن البطريركية تخوض، بعيداً عن الأنظار، معركة كبرى مع ما يوصف بالمجتمع الدوليّ في ما يخصّ النازحين السوريين. وينقل أحد الزوار عن الراعي أنه سارع إلى زيارة الفاتيكان حين سمع البابا يتحدث عن "استيعاب النازحين" في مجتمعاتهم بعد الحرب الأوكرانية ليشرح له خطورة مثل هذه الدعوة على لبنان، وأن البطريرك كان واضحاً، ومن دون تدوير للزوايا، عندما تحدث مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن مستوى الخطر المحدق بالكيان، مؤكّداً له أن الحديث عن "العودة الآمنة" للنازحين ليس إلا مكابرة أوروبية لعدم الاعتراف بانتصار الرئيس السوري بشار الأسد وانتهاء الحرب لمصلحته. وفي كل من الفاتيكان وباريس، طرح البطريرك المارونيّ ما سبق أن ناقشه بالتفصيل مع رئيس الجمهورية.

ويقول زوار البطريرك إنه لا ينفكّ يذكّر بزيارته لدمشق عام 2013 حين توقف كثر من أصدقائها اللبنانيين المفترضين عن ذلك، مشيراً إلى أن خياره كان صائباً، رغم كل ما لقيه من تهديد وتخوين ومزايدات، خصوصاً ممن يدينون للنظام في سوريا بكل ما وصلوا إليه، مسمياً أكثر من نائب سابق بالاسم. وهو كان قد وضع لزيارته تلك عنوانين أساسيَّيْن: إعادة النازحين (وكانوا بعشرات الألوف يومها)، وإيجاد حلول دبلوماسية لكل الأمور العالقة بين البلدين.

ارسلان

وفي السياق الحكومي، اكّد رئيس "الحزب الديموقراطي اللبناني" طلال أرسلان لـ"الجمهورية" انّ احداً لم يشاوره بعد في مسألة استبدال وزير المهجرين عصام شرف الدين بإسم آخر. وقال: "حتى هذه اللحظة انا ما زلت متمسّكاً ببقائه في الحكومة".

واوضح "انّ رئيس الجمهورية ميشال عون لم يناقش معنا لغاية الآن هذا الأمر، وانا واثق في انّ أي قرار يتعلق بالوزير الدرزي سيتخذه الرئيس بعد التشاور المشترك".

وحين يقال لارسلان انّ ميقاتي لم يعد يتقبّل بقاء شرف الدين بعدما ساءت العلاقة الشخصية بينهما كثيراً، يردّ: "إذا كانت القصة قصة علاقات شخصية "منحلها، بسيطة ما بدّها هلقد"، اما إذا كان الأمر يتعلق بحسابات سياسية فلماذا يُراد تحويل شرف الدين كبش محرقة؟ هل هكذا يُكافأ الرجل لانّه أعطى قوة دفع لملف النازحين السوريين وحقق نتائج إيجابية على صعيد معالجته بعد ركود؟".

وهل توافق على معيار أن يكون الوزير الدرزي الجديد المفترض غير مستفز لرئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط؟ كرّر أرسلان بأنّ احداً لم يفاتحه بعد في شأن هذا المعيار او غيره.

وكيف تردّ على من يعتبر انّه لم يعد لك الحق في أن تتمثل في الحكومة بعد خسارتك الانتخابات النيابية؟ رفض أرسلان هذه المقاربة، مؤكّداً "انّ شرعيتنا الدرزية لا نكتسبها من الانتخابات النيابية فقط بل أيضاً من تاريخنا الوطني والوجدان الدرزي، وبالتالي هي لا تُختصر او تُختزل بصندوق اقتراع". ولفت الى ان "هذه مجرد حجة يتلطّى بها البعض لتصفية حساباته السياسية معنا".

وشدّد أرسلان على ضرورة تشكيل حكومة أصيلة، مكتملة الصلاحيات، لمواجهة الظروف الصعبة والتحدّيات المقبلة. ولفت إلى انّه يجب التوافق على اسم رئيس الجمهورية المقبل حتى يستطيع ان يمرّ من خرم إبرة التوازنات السياسية والنيابية، ولكن لا مؤشرات حتى الآن في هذا الاتجاه.

وارسلان العائد من لقاء دام لساعات طويلة، قبل أيام، مع الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، اكّد انّ الاجتماع كان ممتازاً، وانّ النقاشات خلاله امتدت من المنطقة إلى لبنان.

واشار أرسلان إلى كرة ترسيم الحدود البحرية هي في الملعب الأميركي - الاسرائيلي، معتبراً انّه وتبعاً لطريقة التعامل معها تتحدّد وجهة هذا الملف، "علماً انّ السيد نصرالله رسم المعادلات القاطعة والضامنة للحقوق".

واستبعد أرسلان وقوع حرب، "ليس بسبب كرم أخلاق العدو، وإنما لانّه يعرف جيداً انّ كلفتها عليه ستكون باهظة جداً، وهو يريد استخراج الغاز لا إشعاله، الّا اذا ارتكب خطأ في التقديرات".

وشدّد أرسلان على انّه خرج من الاجتماع مع السيد نصرالله واثقاً في أنّ وضع محور المقاومة جيد على امتداد المنطقة، "وهذا ما سيُترجم حُكماً في أي تسويات او مواجهات".

الموقف الفرنسي

وعلى صعيد التحرك الفرنسي واصلت السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو جولتها على القيادات اللبنانية، فاجتمعت أمس برئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل وكانت جلسة عمل "طويلة" تناولت التطورات على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والديبلوماسية.

وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ"الجمهورية" انّ غريو حملت رسالة من حكومة بلادها معطوفة على اهتمام الرئيس ايمانويل ماكرون بالملف اللبناني، وهي كشفت جانباً من رسالتها أمام رئيس الجمهورية في خلال لقائه امس مع سفراء الاتحاد الأوروبي الذين كانوا قد طلبوا لقاء موسّعاً معه بغية تسجيل موقف أوروبي عاتِب على عدم قيام المسؤولين بأيّ ممّا تعهّدوا به في الاتفاق الذي عُقد على مستوى الموظفين مع وفد صندوق النقد الدولي الذي وصل الى لبنان مطلع الأسبوع الجاري وباشَر لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين.

وقالت مصادر التيار ان البحث مع باسيل توسّع ليتناول الظروف التي رافقت صدور قرار مجلس الأمن الأخير الخاص بالتجديد لقوات "اليونيفيل" العاملة في الجنوب والتعديلات التي فرضها على آلية العمل من اجل تسهيل مهماتها وازالة العوائق التي حالت دون القيام بهذه المهمات، كما جرى عرض لما يقوم به الاتحاد الأوروبي تجاه لبنان وبرنامج المساعدات المقرر الذي ينتظر الإصلاحات الموعودة. وشمل البحث في هذا السياق القوانين الإصلاحية المطلوبة والمطروحة على جدول اعمال مجلس النواب وتلك التي تنتظر البت بها وضرورة تشكيل حكومة سريعاً، كما بالنسبة الى السعي لانتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهلة الدستورية التي بدأت في الاول من ايلول الجاري.

مُستعد للتساهل

الى ذلك، كشفت مصادر واسعة الاطلاع لـ"الجمهورية" ان وفد الصندوق أكد لبعض مَن التقاهم انه "مستعد للتساهل والتعاون اذا تم إقرار القوانين الإصلاحية الملحّة، شرط أن لا يتم تفخيخها او تفريغها من محتواها، مُبدياً ارتياحه الى التعديلات المطروحة على قانون السرية المصرفية الذي ردّه رئيس الجمهورية الى مجلس النواب".

وأوضح الوفد انه في حال إقرار القوانين المطلوبة وابرام الاتفاق النهائي مع الصندوق "فسيحصل انفتاح مالي غزير على لبنان من جانب المؤسسات الدولية، اما اذا لم تتحمّلوا مسؤوليتكم فلا نستطيع أن نفعل لكم شيئاً وهناك دول كثيرة في العالم تنتظرنا".

واشار الوفد الى انّ لقاءه مع رئيس السلطة التشريعية نبيه بري "كان أكثر من إيجابي".

المصارف

على صعيد آخر، عُلم انّ هناك اتجاهاً في المصارف يدفع نحو تمديد الإقفال اياماً إضافية الى ما بعد اليوم، لأنّ الجهات الرسمية الأمنية لم تقدّم الضمانات الضرورية التي تحقق الأمان للموظفين. ومن المتوقع ان يلتقي بري وزير الداخلية بسام المولوي للبحث معه في هذا الشأن ولِحَضّه على منح المصارف الضمانات الكفيلة بحماية موظفيها.