ليعلم الجميع أنّ الأرض اللبنانية هي أرض مقدّسة لبنانية الإنتماء والهوية، وهذه الأرض هي عرضنا، نسقي ترابها بدمائنا، ولن نرضى أن نراها وطنًا ممزقًا مُشلعًا لغيرنا وللسماسرة... نعم نفديها بكل ما أوتينا من جهود، أرض القدّيسين أرض الشهداء الخالدين سوف نمضي في ثبات ويقين بالنضال لا نُبالي بالمهاترات وبالأقاويل وبالشائعات.

نحن قومٌ إلتصق بأرضه بيد أنّ الثبات على هذا الإصرار لم يحُل دون إستشعار لبناني داخلي ولبناني إغترابي أهميّة ولوج ساحات العمل السياسي لأجل الدفاع عن مقدساتنا وعرضنا وأرضنا، عن حقوقنا كلبنانيين عامة وكمسيحيين خاصة وكموارنة تحديدًا، مع ساسة باعوا ضميرهم يدّعـــون أنهم يُحافظون على الأرض بينما هم جاهلـون عن القيام بالدفاع عن أرضنا، وعمليًا باعـــوا الأرض وكرامة الشعوب وداسوا على كل الأعراض.

أبعد ممّا يحصل من أعمال شنيعة يرتكبها الجهلاء ومُعكّري صفو العيش المشترك، تارة بالإدعاء أنّ أصول الأرض تعود إليهم وأنهم في صدد إستردادها من الطارئين، كل هذه الأمور لم ولن تمنعنا من تقديم كل ما إستطعنا إليه سبيلاً من الدعم والمؤازرة لأهلنا في لبنان عبر مكاتبنا في عالم الإغتراب ومكتبنا المركزي في بيروت، وذلك من أجل الذود عن أرض أنجبتْ قدّيسين وأبطال وتحتضن رفات أهلنا .

للأسف تحوّلتْ الأرض اللبنانية إلى مادة للمقايضة في زواريب الحياة السياسية اللبنانية وساحة صراع إقليمي–دولي في ظل الهجمة المنظّمة من قبل المأجورين على بيع أراضينا، وتُظهر تصريحات بعض السياسيين تأييدًا واضحًا ومبرمجًا لمخططات بيع الأراضي وفي مختلف الأقضية المسيحية، وخصوصًا في الأقضية المختلطة والهدف تجريد المسيحيين من أراضيهم لحثّهم على الهجرة في هذه الظروف الإقتصادية والمالية والإجتماعية التي تمُّرْ علينا .

من المؤسف أنّ وزراء ما بعد الطائف وما بعد العام 2005، وخصوصًا المسيحيين منهم لم يعمدوا إلى إيقاف جريمة بيع الأراضي، وليسوا بمعذورين سندًا للنظام الداخلي لمجلس الوزراء إذ يتعيّن على أمين عام مجلس الوزراء توزيع جدول الاعمال على الوزراء لدرسه قبل إنعقاد الجلسة، وهنا يكمن الخلل الوزاري حيث حكمًا لاحظوا إدراج بنود تلحظ بيع الأراضي، وكم يتم تمرير بيعها عبر مراسيم كانتْ تصدر تِباعًا بعد كل جلسة وزارية، وبالإستناد إلى المحاضر المؤرشفة يتظهّر لكل متابع أنّ الوزراء الذين يدّعون المحافظة على الهوية اللبنانية والأرض اللبنانية لم يُحرّكوا ساكنًا، ولم يعترضوا على ما كان يحصل، ممّا يؤكد أنهم يتآمرون على شعوبهم وعلى وطنهم وعلى مقدّساتهم، ودعونا نضع الملامة على الإكليروس الذي لم يُسائل هؤلاء الوزراء عمّا كان يحصل...

لمن يدّعي أنّ الأرض هي أرضه وأرض الأديار تخصّه عليه قراءة التاريخ مليًا، لأنّ مفهوم إرتباط الرهبانيات بالشعب والأرض له تاريخه العريق في لبنان، ولهذا الإرتباط أوقات ذهبية وأوقات أخرى معاكسة، وإنّ توازن هذه العلاقة مبني على هرم ثلاثي القاعدة، وقوامها الحاكم والمرجعية الكنسية والرهبانية، فإنْ إختلّت إحدى مقومات هذه القاعدة إختل الهرم كله. وعلى كل من يحب القراءة الصادقة مراجعة ما فعله القاصد الرسولي يوحنا لوزانا عام 1830، إذ مدح الرهبانية اللبنانية المارونيّة ورهبانها نظرًا إلى إزدهارهم الروحي والمادي، مؤكدًا أنّ سبب هذا الإزدهار عائد، أولاً إلى حفظ الرهبان لقانونهم ومثابرتهم على العمل، وأستشهد حرفيًا بما قاله في حينه "يمكن التأكيد أولاً أنّ معيشة الرهبان اللبنانيين تتصِّف بالتقشف وهم ينمون لسببين :

1-لأنهم يعملون بأيديهم .

2-لأنهم متقشفون في مصاريفهم، فلا ينفقون على الأحذية ولا على الملابس إلاّ الضروري لشراء المواد الأوليّة فقط، والباقي كله يقومون بتصنيعه بأيديهم. لديهم كل العدّة للإهتمام بالأحصنة والبغال، نجد بينهم البيطري، الحيّاك والسكّاف لديهم طواحين، مطبعة كتب، ومعمل لتصنيع البارود، ويتقاسمون غلاّته مع الأمير بشير... هكذا يعيش وينمو الرهبان البلدّيون..." وليعلم كل واحد من هؤلاء أنّ الرهبان لم يكتفوا بقبول بعض الهبات أو شراء بعض الأملاك أو بناء الأديار بل إستأجروا الأراضي ودخلوا أيضًا بشراكة الشلش أو شراكة المساقاة مع بعض المشايخ والأمراء.

على من يريد أنْ يراجع تاريخ تملّك الرهبان الأراضي عليه مراجعة كتاب الأب مارون كرم " قصة الملكية في الرهبانية اللبنانية المارونية"، وبعد ذلك الأمر ليعطي تصريحًا في هذا الإطار. تلك هي رحلة شعبنا المناضل حيث اختار للحرية عنوانًا، حتى أطلق على بلداته أسماء سريانية يسكنها أبًا عن جدّ متحديًا الصعاب بالإتحاد مع الرهبان والكهنة .