أشار معنيّون مباشرون بملف ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل، في حديث إلى صحيفة "الجمهوريّة"، إلى أنّ "الموقف اللبناني يمكن اعتباره ايجابيا بصورة عامة من الطرح الاميركي، مع وضع بعض الملاحظات التقنية غير الجوهرية، التي من شأنها ان تبدد اي التباس او تفسير او تأويل او تحريف، من شأنه ان يمسّ بالحق اللبناني في كامل سيادته وحقوقه".

وكشفوا أنّ "جوهر الموقف اللبناني خلاصته كما يلي:

-أولاً، ان لبنان اكد موقفه الثابت والنهائي بالتمسّك بسيادته الكاملة غير المنقوصة على حدوده البحرية الخالصة جنوباً، وكذلك على حقه الحصري بما تكتنزه هذه الحدود من ثروات نفطية وغازية.

ثانياً، لن تكون هناك اي شراكة على الاطلاق سواء اكانت مباشرة او غير مباشرة بين لبنان واسرائيل في اي من البلوكات، في قانا او غيرها. وكل كلام خلاف ذلك، لا يعني لبنان من قريب او بعيد".

وبناء على ذلك، أكّد هؤلاء المعنيّون أنّ "الكرة ليست في الملعب اللبناني على الاطلاق، بل هي منذ البدايات في الملعب الاسرائيلي"، لافتين إلى "الارباك الحاصل في اسرائيل، والخلافات الداخلية التي يجري تظهيرها بين المستويات السياسية الاسرائيلية". واعتبروا أنّ "هذا الامر يدعو الريبة، من ان تكون خلف ذلك نيات تخريبية للايجابيات التي بلغها هذا الملف".

الاستحقاق المقفل

سياسيًّا، ذكرت "الجمهوريّة"، أنّه "باق من الزمن الرئاسي الحالي 27 يوماً، يغادر في آخرها رئيس الجمهوريّة ميشال عون القصر الجمهوري، من دون ان يسلّم الراية الرئاسية لخلفه. وعلى ما تؤكد الوقائع المحيطة بالاستحقاق الرئاسي، فإن لبنان سيدخل اعتباراً من 1 تشرين الثاني المقبل في فترة من الفراغ الرئاسي، لا سقف زمنياً لها".

وأوضحت أنّه "على ما تؤكد الوقائع المحيطة بالاستحقاق الرئاسي، فإنّ عبوره بطريقة سلسة يصطدم بجدار مانع لإجرائه في موعده الدستوري او في المدى القريب او حتى في المَديين المتوسط والبعيد، يفرز واقعا مقفلا بالكامل، من المؤكد انه سيطيح أي جلسة او جلسات انتخابية جديدة يدعو اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري في الايام القليلة المقبلة، حيث ان مصيرها الفشل الحتمي، على غرار الجلسة الاولى التي عكست بوضوح توزّع القوى السياسية والنيابية على ضفاف متنافرة وخلفيات متصادمة وأجندات متضاربة؛ لا يبدو انها في وارد ان تجتمع على مرشح معين يحظى بالاكثرية المرجحة لتربّعه على عرش الرئاسة الاولى".

في السّياق، ركّز مرجع سياسي للصّحيفة، بموضوع تعدّد المواصفات الّتي يُفترض أن تتوفّر في الرّئيس الجديد، على أنّ "من حق اي جهة ان تطرح ما تشاء من مواصفات ترى ان تتوفر بالشخص الذي تعتبره مؤهلاً لرئاسة الجمهورية، ولكن خطأ البعض يكمن في اعتباره مواصفاته مُنزلة كآيات مقدسة تنطبق فقط على مرشّحه، وبخلفية التحدي يفرض على الآخرين الالتزام بها".

ورأى أنّ "بمعزل عن التوصيفات والاشتراطات بين قائل بالرئيس السيادي، وقائل بالرئيس الاصلاحي، وقائل بالرئيس الحيادي، وقائل بالرئيس التوافقي، فإنه لا يمكن للاستحقاق الرئاسي ان يعبر، في جو التحدي، او في زحمة المواصفات التي نلاحظ جميعاً انها أضحت عنوانا صداميا وليس عنوانا تسهيليا لإتمام الاستحقاق الرئاسي، وجاذِباً المكونات السياسية والنيابية ولو الى الحد الادنى من التوافق على الرئيس العتيد؛ وهذا ما يشدد عليه بعض عقلاء ال​سياسة​".

وخلص إلى أنّ "الباب الرئاسي مقفل حتى اشعار آخر، ومفتاحه ضائع او مضيّع عمداً، وباب الفراغ الرئاسي مفتوح ربما على مَديات طويلة، من غير المستبعد تبعاً للتطورات التي قد تحصل في جو الفراغ هذا، ان نصل الى لحظة ما تبرز فيها ارادة ما من مكان ما أقوى من الجميع، لكسر هذا الباب وخلعه وسوق الجميع الى انتخاب الرئيس، بعيداً عن كل الشروط والمواصفات التي تهطل من هنا وهناك".

آخر طلقة

على خط تأليف الحكومة، أفادت "الجمهوريّة"، بأنّ "الوقائع السياسية المتسارعة على اكثر من خط داخلي وخارجي، تؤشّر إلى أنّ ثمة جهوداً تُبذل لإنجاح محاولة استباقية لملء الفراغ الرئاسي، بحكومة كاملة الصلاحيات والمواصفات، والمتداول في الاوساط السياسية الداخلية انّ هذه الحكومة على نار اكثر من حامية، وباتت على مسافة امتار قليلة جداً من ان تعلن ولادتها وتصدر مراسيمها في غضون ايّام معدودة".

وكشفت أنّ "هناك مِمّن تحركوا في الايام الاخيرة لإنضاج طبخة التأليف، مَن يرجّحون، ولكن من دون أن يؤكدوا، أنّ الحكومة العتيدة قد تولد قبل نهاية الاسبوع الجاري، إن امكن تذليل بعض العقبات الطفيفة التي ما زالت ماثِلة في طريقها".

في هذا الاطار، أبلغت مصادر سياسية على صلة مباشرة بالاتصالات الاخيرة، إلى "الجمهورية"، أنّ "منذ ما قبل نهاية الاسبوع الماضي، أُدخل الملف الحكومي الى غرفة العناية السياسية المركزة، ولولا بعض العثرات التي طرأت لكانت الحكومة قد أعلنت في نهاية الاسبوع".

وأشارت إلى أنّ "النوايا جدية في تأليف الحكومة قبل نهاية ولاية الرئيس عون"، مشدّدةً في الوقت ذاته على أنّ "هناك بعض شياطين التفاصيل ما زالت حاضرة على هذا الخط، سعياً لإرباك الطبخة الحكومية، وربما إفشالها عبر بعض الطروحات التعطيلية التي تبرز في اللحظات الاخيرة".

وأوضحت المصادر أنّ "محاولة التأليف الجارية حالياً هي آخر طلقة، فإمّا "تصيب" وننتقل الى حكومة كاملة الصلاحيات، وامّا "تخيب" فساعتئذ لن يبقى في الميدان سوى "حديدان تصريف الاعمال"، ولنتحضّر من الآن الى "كباش" حول الفاضي والمليان، له أوّل وليس له آخر".

إتفاق الترسيم: كيف توزعت الأدوار؟

وجد مواكبون عن قرب لملف المفاوضات غير المباشرة حول ترسيم الحدود البحرية، لـ"الجمهوريّة"، أنّه "إذا لم يعرقل الجانب الاسرائيلي اتفاق الترسيم في اللحظات الحاسمة والأمتار الأخيرة، فإنّ ما تحقق على مستوى المفاصل المحورية لعرض الوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين، هو مكسب وطني كبير تشاركت في إنجازه جهات عدة، كلٌ وفق جهده وموقعه".

ولفتوا إلى أنّ "الرئيس عون كان مساهماً أساسياً في الوصول إلى هذا الإنجاز، سواء بدوره في إصدار مراسيم النفط والغاز بعد توليه رئاسة الجمهورية، او بالطريقة التي أدار بها التفاوض وحزمه في التمّسك بالخط 23 وحقل قانا كاملاً"، مؤكّدين أنّ "الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله هو شريك استراتيجي في صنع الإنجاز، بفضل توظيفه قوة المقاومة لتحصين الموقف الرسمي ودعمه في الوقت المناسب وبالجرعات الملائمة، الأمر الذي عزز أوراق المفاوض اللبناني. ورئيس مجلس النّواب نبيه بري كان له أيضاً دور متقدّم في إنضاج بيئة الترسيم، عبر "اتفاق الإطار" الذي سبق ان اشرف على وضعه".

وفسّر هؤلاء أنّ "من العوامل التي ساهمت كذلك في الوصول إلى هذه النتيجة الايجابية، نجاح عون وبري وميقاتي في تحييد قضية الترسيم عن خلافاتهم ومناكفاتهم، وبالتالي مقاربتها بموقف موحّد تقريباً خلال الفترة الأخيرة والمفصلية".

وذكر مطّلعون على كواليس التفاوض، أنّ "ما يجهله البعض هو انّ رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل كان حاضراً بلا ضجيج في المراحل المختلفة لهذا الملف، ضمن عِداد الحلقة المحيطة برئيس الجمهورية، وصولاً إلى مشاركته في درس العرض الأميركي المكتوب الذي سلّمه هوكشتاين إلى لبنان بواسطة السفيرة الأميركية لدى بيروت".

وكشفوا أنّ "باسيل كان من اوائل الذين تولّوا ترجمة المقترح الخطي من الإنكليزية إلى العربية ودقّق في تفاصيله التقنية والقانونية، إضافة إلى انّه كان قد واكب فصول المفاوضات بكل مندرجاتها ومنعرجاتها، بمعرفة الأميركيين او أقله بـ"تطنيش" منهم".