حذّر رئيس البنك الدّوليّ ​دايفيد مالباس​، الجمعة 7 تشرين الأَوّل 2022، مِن أَنّ العالَم يُواجه "مَوْجةً خامسةً مِن أَزمة الدّيون"، داعيًا إِلى مزيدٍ مِن الدّعم للدُّول الّتي تُعاني صعوباتٍ.

وتُسجَّل لانتشار وباء كورونا عالميًّا، تردُّداتٌ خطِرةٌ في المجال الاقتصاديّ العالميّ، إِذ أَرغَم الكثير مِن الدُّول على مزيدٍ مِن الاقتراض، وقد حذّر البنك الدّوليّ وصندوق النّقد مِن أَنّ الكثير منها يُواجه صُعوباتٍ في شأن الدُّيون أَو يُواجه خطرًا بذلك، وسط ارتفاع التضخُّم العالميّ وارتفاع أسعار الفوائد أَيضًا.

وقال مالباس أَمام الصّحافيّين: "أَنا قلقٌ في شأن مُستويات الدُّيون، قلق على كُلّ دولةٍ على حدةٍ". وأَضاف "في العام 2022 وحده، أَصبحت حوالَي 44 مليار دولار مِن مدفوعات خدمة الدَّين الثُّنائيّة والخاصّة مُستحقّةً" في بعض الدُّوَل الفقيرة، أَعلى مِن تدفُّق المُساعدات الأَجنبيّة الّتي يُمكن أَن تأمل فيها تلك الدُّوَل. وتابع: "الآن، نحن وسط ما أَعتقد أَنّه مَوْجةٌ خامسةٌ مِن أَزمة الدُّيون". ودعا مالباس قبل أَيّامٍ فقط، مِن الاجتماعات السّنويّة لصُندوق النّقد الدّوليّ والبنك الدّوليّ في واشنطن، إِلى "مزيدٍ مِن الشّفافيّة في شكلٍ جذريٍّ" مِن الدّائنين والمُقترِضين في شأن مُستويات الدُّيون.

أَزمة المديونيّة

ويُطلَق على "أَزمة الدّيون" الّتي تحدّث عنها مالباس أَيضًا اسم "أَزمة المديونيّة العالميّة"، ومِن الكُتب الّتي اكتسبَت مكانةً كبيرةً في العام 2018، كتاب الأزمة الكبيرة للمديونيّة" (The Big Debt Crisis)، وهو مِن تأليف أَحد "التايكونات" أَي (الأَثرياء جدًّا) في الولايات المُتّحدة، واسمه ريموند داليو، الّذي يتحدّث عن أُمورٍ كثيرةٍ، وأَهمّها: كيف تحدث الدَّورات الاقتصادية، وأَشكالها، وأَساليب الخُروج منها...

ويُنبّه داليو في كتابه، إلى حقيقةٍ أَساسيّة، وهي أَنّ في أَيّام الدّعة والانفراج، يُقبل النّاس والحُكومات والشّركات على الانفاق ببحبوحةٍ، وما يدفعهم إِلى ذلك، هو سُهولة الحُصول على المال، فيُغامِرون استهلاكًا أَو استثمارًا، وبخاصّةٍ إِذا وجدوا فرصًا سهلةً للاستثمار، ولبّوا نزعتهم إِلى المُغالاة في بسط اليد والاستهلاك. وبعد فترةٍ، ترتفع الأَسعار والكِلَف، وترتفع معها كِلفة الدُّيون الّتي أخذوها ويأخذونها، وإِذا استمرّت الأَسعار في الارتفاع، وبخاصّةٍ إِذا ما بدأَت السُّلطات النّقديّة برفع أَسعار الفائدة، على أَساس أَنّ إِدارة التضخُّم أَسهل مِن إدارة الرُّكود. وهُنا يقع الأَفراد والشّركات والحُكومات في أَزمةٍ، حَيْث ترتفع عليهم كِلَف سداد الدُّيون، وتقلّ أَمامهم فرص التّحصيل وزيادة مواردهم، وتتراجع عوائدهم، ما يجعل المديونيّة طوقًا ضيّقًا ملفوفًا حول رقابهم. وإِذا أَصبحت كِلَف الاقراض أَعلى مِن المردود، وقع الاقتصاد في أَزمة رُكودٍ.

وتأتي هذه الاستنتاجات والقراءات الّتي يُقدّمها راي داليو مِن واقع تجربة الأَزمة الماليّة للعام 2008، وما تمخّضَت عنه مِن آثارٍ كبيرةٍ على الاقتصاد العالميّ برُمّته.

ويُنذر داليو، كما فعل اقتصاديُّون ومُستثمِرون آخرون، مِن حصول انتكاسةٍ جديدة في الاقتصاد العالميّ، قد تُؤدّي إِلى حربٍ طاحنةٍ دوليّةٍ، "لا يعلم إِلّا الله مدى نتائجها".

التّنافُس الأَميركيّ–الصّينيّ

وبذلك يتّفق مالباس مع داليو، في رسم واقعٍ اقتصاديٍّ وماليٍّ عالميٍّ محفوفٍ بالمَخاطر... فيما داليو بنى استنتاجاته على بعض الظَّواهِر العالميّة، إِذ إِنّ زيادة التّنافس بَيْن القوى الاقتصاديّة الأَعظم، وبخاصّةٍ الولايات المُتّحدة والصّين، هي البوّابة للمُواجهة، ومن ثَمّ الحروب... وتُعزّز هذا الأَمر كثرة الدُّول الّتي تُعاني مِن الأَزمات الاقتصاديّة والماليّة، وارتفاع نسب المديونيّة عليها. وهو يُشير في القارّة الأَميركيّة إِلى البرازيل، والأَرجنتين، والمكسيك، وفنزويلا وغيرها من دُولٍ أَصغر.

كما ويُذكّر داليو في كتابه، بالأَزمات في الشّرق الأَوسط، وأَفريقيا وأُوروبا. ويقول إِنّ الأَمثلة على تردّي الأَوضاع الاقتصاديّة كثيرةٌ، وتُشكّل توجُّهًا خطرًا نحو أَزماتٍ سياسيّةٍ.