"عَلِمْنا أَنَّ "سيادتكم" قامَ بِعَملٍ إلهيّ، ونَحنُ مَدهوشون بإيمانِكَ الكَبير، أنتَ يا رَجُلَ الله. فقد أعلَمَني رَسولٌ أنّكَ اِستعنتَ بتصويرٍ مُقَدّس (أيقونة) للشهيدِ الكبيرِ ديميتريوس[1] Dimitrios كَعَرَّابٍ مَكان أحد العرّابين في عِمادة ابنك. يا لِهذه الثِقَة. كأننّا بِذلِك نَسمعُ الرَّب يَشهدُ لِعَظَمَة إيمانك، تمامًا كما حَصلَ مَع قائد المِئة الرومانيّ الذي جاء إلى يسوع كي يَشفي لَه غُلامه المريض، ٍعندما قال له يسوع: «أَنَا آتِي وَأَشْفِيهِ»، أجابَه: «يَا سَيِّدُ، لَسْتُ مُسْتَحِقًّا أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِي، لكِنْ قُلْ كَلِمَةً فَقَطْ فَيَبْرَأَ غُلاَمِي". وهذا ما حَصل. وقَد أثنى يَسوع على إيمان القائد الرومانيّ قائلًا: "اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ أَجِدْ وَلاَ فِي إِسْرَائِيلَ إِيمَانًا بِمِقْدَارِ هذَا"!(متى ٥:٨-١٠)".

هذا النصّ مأخوذٌ مِن رسالةٍ كتبها في القسطنطينيّة، المُدافِعُ الكبير عن الأيقونة، القِدّيسُ ثيوذوروس الستوديتي[2]، في القرنِ التاسعِ الميلاديّ وأرسلها إلى Jean le Spatharios، الذي هو مِن النبلاء ومِن فريق الإمبراطور.

يُكمِل القِدّيس ثيوذوروس رِسالتَه مُشيرًا إلى أنَّ أيقونة القِدّيس ديميتريوس أخذَتْ مكانَ الأصل Prototype، وأنَّ القِدّيس كان حاضرًا بِالروحِ مِن خِلالِ أيقونته، تمامًا كما كان اللوغوس Logos "كَلِمة الله المُتجسّد الرَّب يسوع المسيح" حاضِرًا عِندَ شِفاء غُلام القائد، مع أنَّ يسوع لم يَكن عِندها مَنظورًا حيث كان الغُلام موجودًا.

كما يَذكُر القِدّيس ثيوذوروس في رِسالته هذه ما قاله القِدّيس باسيليوس الكبير(٣٣٠-٣٧٩م) قَبلَه: "التكريمُ الذي نُعطيه للأيقونة يَعود إلى الأصل Prototype، أي إلى ما تُمَثِّله".

هذا الامتداد الإيمانيّ المَعمول بِه منذُ القُرون الأولى للمَسيحيّة، والذي يَتناقله الآباء القِدّيسون مِن جِيلٍ إلى جِيل، يَندَرِج ضِمن ما يُعرَف في الكنيسة بـِ "التسليم الشريف"، وهو تمامًا الذي أعلنه الآباء القِدّيسون الذين اجتمعوا في المَجمَع المَسكونيّ السابع (٧٨٧م) في نيقية، والذي اختصّ بالأيقونات المُقدّسة.

لقد عُقِدَت المَجامِع المسكونيّة في الكنيسة، وعددها سَبعة، لتُعلِنَ الإيمانَ المُستقيم المُعاش، والمُسَلَّم إلينا مِن المَسيح والرُسُل والآباء القِدّيسين، وليس لِتَختَلِق أفكارًا جَديدة وتَحليلاتٍ بَشريّة، واستنتاجاتٍ فِكريّة، وتَخَيُّلاتٍ لا تَمِتُّ إلى الإيمان المَسيحيّ بِصِلَة. فما عاشَته الكَنيسة بٍالروح القُدُس مُنذُ البِداية، وسارَ بِه المُؤمِنون مَعًا على الدَرب الصَحيح في الكَنيسة، تُرجِمَ في المَجامِع المَسكونيّة نِقاطًا وشُرُوحات.

غدًا نُقيم تَذكار آباء المَجمع المَسكونيّ السابع[3]، الذي أعلن تَكريم الأيقونات. صَحيح أنَّه السابع إِلّا أنّه يَرتَبِط ارتِباطًا وثيقًا بِالمَجامع المَسكونيّة الِستّة التي سَبقته ويُصدِّق عليها، وخاصة في ما يَختصُّ بالِسرّ الإلهيّ الكبير والعظيم، الذي هو خُصوصِيّة مَسيحيّة صِرْف، أعني بِه "التجسّد الإلهيّ"، أي صَيرورة الله إنسانًا دُون أن يَفقِدَ اللهُ شيئًا مِن ألوهيّته: "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا"(يوحنا ١٤:١).

إذًا، صُوِّرَ اللهُ في أيقونةٍ لأنَّه تَجسّدَ، فلا أيقونة دُون سِرِّ التجسّد. أمّا في العهد القديم، فكان تَصوير الله مَمنوعًا لأنَّه لم يَكُن قد تَجسّد بعد. هذا كلّ الموضوع بِشكلٍ عام. وهذا ما أعلنه آباءُ المَجمع المَسكونيّ السابع.

كذلك نَعرِف جيّدًا أنَّ الكَنيسة مُنذ بِدايتها عانَتْ الاضطهاد، والمُؤمنين قد تَعرّضوا للتَنكِيل والتَعذيب حتّى الاستشهاد، كلُّ ذلك بسبب تَمسُّكِهم بإيمانهم بالرّب يسوع المسيح. وما بَرِحَ هذا الاضطهاد يُتَرجَمَ اضطهادًا مُدَّةَ ١٢٠ سنة تقريبًا ضِدَّ الأيقونات في القَرنين الثامن والتاسع الميلادي، فَعُرِفَ بـِ "حرب الأيقونات"Iconoclasme[4]، أيّ "كَسرِ الأيقونة". سَقَطَ على إثرِها شُهداءٌ كثيرون في الكنيسة. قِلّةٌ قَليلة مِن الأيقونات لم يَنَل مِنْها التَدمير، أمّا الباقي فتَمَّ حَرْقه وكسره وتدميره، ورُسِمَ فوق الجداريّات رُسوماتٌ لحيواناتٍ وغيرِها.

على الرغمِ مِن كلّ ذلك، عادَ وانتصرَ الإيمانُ المستقيم. فَيُحتَفل بِهذا الانتصار في الأحد[5] الأوَّل مِن الصوم الأربعيني الفِصحيّ المُقدَّس، والذي يُعرف بـِ "أحد الأرثوذكسيّة"، حيث تُزَيَّح فيه الأيقونات داخِلَ الكنيسةَ بعدَ صَلاة السَحَر وقَبلَ القُدّاس الإلهيّ، فَيَسيرُ الكَهنة في المُقدِّمّة، وتَتبعُهم الجَوْقَة وهي تُرَتّل وتُمَجِّدُ الله، وكذلك يُزَيِّح المُؤمِنون أيقوناتهم التي جَلبوها مَعهم مِن منازلهم. إنّه يومٌ مَجيدٌ في الكَنيسة. هذا ما تُتَرجِمُهُ طروبارِيَّةُ (ترتيلة) هذا اليوم المُقَدّس: "لِصُورَتِكَ الطّاهرة نُسجُدُ أيَّهُا الصَالح، طالبينَ غُفرانَ الخطايا أيُّها المَسيحُ إلهُنا. لأنّكَ قَبِلتَ أن تَرتَفِعَ بالجَسَدِ على الصَّليبِ طَوعًا، لتُنجّيَ الذينَ خَلَقْتَ مِنْ عُبوديَّةِ العَدُوّ. فَلِذَلِكَ نَهتِفُ إليكَ بِشُكر: لقد مَلأتَ الكُلَّ فَرَحًا، يا مُخلِّصَنا إذْ أتيتَ لِتُخَلِّصَ العَالم".

لِنَطرَح الآن السُؤال التَالي: ما هي الأيقونة؟ باختِصار هي تصويرٌ ذُو بُعْدٍ إلهيّ. وكلّ شيءٍ فيها نُورانيّ، لِذا هيَ نَافِذة إلى الملكوت. هي مَوضوعُ تَكريمٍ لِما تُمَثّله، وليست مَوضوع عِبادَة على الإطلاق. فالعِبادَة لا تَجوزُ إلّا للرَّبِّ الخَالق. ولا يَتَعَجَبَنَّ أَحدٌ إِذا قُلنا عنها أنَّها حَيَّة، وذلِك لأنّها مُقدَّسة وحُضُورها كذلك مُقدَّس، لأنَّ ما تُمَثِّله مُقدَّس. فهي إمّا أن تُمَثّلَ الرّب يسوع المسيح، أو والدة الإله، أو القِدّيسين والقِدّيسات، أو أحداث إنجيليّة، وأخرى خلاصيّة.

لِهذا، نَحنُ نُصَلّي أمامها، ونُبَخِّرها فيما نَهتِف إليها في قُدّاس الفِصْحِ العَظيم: "المسيح قام".

هناك أيقونات كَثيرة سَمَح الرّب أن تكون عَجائبيّة. فرَشَح مِنها زَيتٌ، ومَن لمَسها شُفِي. فلا حاجة للتَذكِير أنَّ التَصوير الكَنسيّ قَديمٌ جِدًّا في الكَنيسة منذُ القُرون الأولى، ويَتَنَوَّعُ بين جِداريّات وفُسيفساء وأيقونات مَحمُولة خشبيّة. فَقَد عالجنا هذا الموضوع في مَقالاتٍ سابقة.

الوَجْهُ في الأيقونة مُستنيرٌ ومُتألّه، وهذا ما يُذكِّرنا أنَّ كلّ واحدٍ مِنّا أيقونة، وما علينا إلّا أن نَمسحَ عن هذه الأيقونة، التي هي نَحنُ، غُبارَ الخَطيئة، ونُعيدَ إليها إشراقها ولمعانها بالتَّوْبةِ الصَادقة وسِرِّ الاعتراف[6] المُقَدّس.

إلى الرَّب نطلب.

[1]. يُعيّدُ للقدّيس العظيم في الشهداء ديمتريوس المُفيض الطيب في اليوم السادس والعشرين مِن شهر تشرين الأوّل.

[2]. Theodore the Studite (759-826)

[3]. يُعيَّدُ للآباء المجتمعين في المجمع المسكونيّ السابع، في الأحد الواقع بين ١١ و١٨مِن تشرين الأوّل كلّ عام.

[4]. L’iconoclasme : En grecs εἰκών eikôn « image, icône » et κλάω klaô « briser ».

[5]. تأسّس هذا العيد عام ٨٤٢م بعد هزيمة محاربيّ الأيقونات، ويُقرأ في هذا الأحد في الكنائس، مستند رسمي اسمه "السينوذيكون" الذي حرّمَ كلّ الهراطقة بأسمائهم.

[6]. سر الاعتراف موجود في الكنيسة الأرثوذكسيّة، وهذا يتم مع الأب الروحيّ.