لعلّها مجرد "صدفة"، ولو كانت أكثر من معبّرة، أن تحمل ذكرى "ثورة 17 تشرين" التي يقول نواب ما يسمّى بـ"قوى التغيير"، أنّهم من يمثّلونها وقد انبثقوا من روحيّتها، "طلائع" تفكّكهم وتشرذمهم، الذي يعتقد كثيرون أنّه أضحى أمرًا واقعًا لم يعد خافيًا على أحد، رغم كلّ محاولات "التجميل" التي يصرّ بعضهم على المضيّ بها حتى النهاية، تحت شعار أنّ "وحدة التكتل" تبقى أهمّ من بعض الاختلافات الشكليّة والتكتيكية، إن وُجِدت.

لكنّ هذه "الاختلافات"، كما يصفها هؤلاء، لم تعد مجرّد "قشور" كما يحاول بعض أعضاء "تكتّل التغيير" تصويرها، بل أضحت في أساس عملهم البرلماني كما أوحت جلسة انتخاب ​اللجان النيابية​ التي شكّلت "خيبة بكلّ المقاييس" لـ"التغييريين" ومؤيّديهم، بعدما عجزوا عن الدخول إلى "المطبخ التشريعي"، بل أخرِجوا من أهمّ اللجان على الإطلاق، بعدما قرّروا منافسة بعضهم البعض، ما أشعل سجالاتٍ لم تنتهِ فصولاً بعد.

وإذا كانت تداعيات هذه الجلسة انعكست مباشرة عليهم، مع إعلان النائب ​ميشال الدويهي​ انسحابه، وخوض النائبين ​إبراهيم منيمنة​ و​مارك ضو​ في سجال مباشر، فإنّ "التصدّع" بدأ قبلها، وقد فجّرته التسريبات حول عشاء ​السفارة السويسرية​، حين "انتفض" النائب "التغييري" ​وضّاح الصادق​ ضدّ أيّ "محاولة للمسّ" ب​اتفاق الطائف​، مفجّرًا غضبه على "بعض الزملاء" في التكتّل، ليخلص صراحة إلى أنّ "وحدة التكتل" باتت مهدَّدة.

رغم كلّ هذه الخلافات، لا يزال بعض "التغييريين" مصرّين على أنّ تفكّكهم هو "حلم قوى المنظومة"، وهو لم ولن يتحقّق، فيما ذهب بعضهم الآخر للبحث عن حلول "ترقيعية"، على طريقة تحويل التكتّل إلى "لقاء تشاوري" وفق اقتراح النائب الدويهي، فإلى أيّ مدى تعبّر هذه "الأمنيات" ربما عن الواقع؟ هل لا يزال الحديث عن "تكتل التغيير" دقيقًا، أم أنّ عقد "التغييريين" قد فرط عمليًا، وبالتالي فإنّ التكتّل لفظ أنفاسه الأخيرة؟!.

في المبدأ، يرفض المحسوبون على نواب "التغيير"، أو معظمهم بالحدّ الأدنى، أي حديث عن "انتهاء" تكتّلهم بصورة عملية، رغم كلّ "الخيبات" التي سُجّلت، و"الإخفاقات" التي ارتبطت بها، وربما "الخلافات" التي أصبحت علنية، فهم يعتبرون كلّ ما سبق "طبيعيًا وبديهيًا"، باعتبار أنّ التكتّل "التغييري" يضمّ نوابًا يختبر معظمهم العمل البرلماني للمرّة الأولى، وبالتالي فإنّ "تكتيكاتهم" قد تختلف، ولو اتّحدوا على "الهدف الأكبر".

يقرّ هؤلاء بوجود "اختلافات" بين نواب "التغيير"، لكنّهم يقولون إنهم لم يسعوا لإخفائها يومًا، بدليل تسمية "التكتل" التي أطلقت عليهم، بعدما كان السعي في الأيام الأولى حثيثًا لإنشاء كتلة، إلا أنّ ذلك المشروع اصطدم بالتعدّدية بين هؤلاء ​النواب​، الذين يأتون من خلفيّات مختلفة، ولا يتّفقون بالضرورة على رؤية واحدة في مقاربة كلّ الملفات، علمًا أنّ حرص بعضهم على الحفاظ على "استقلاليتهم" قد يكون السبب الجوهري في الخلافات الأخيرة.

الأساس بالنسبة إلى المحسوبين على نواب "التغيير"، يبقى في "وحدة الموقف" في القضايا الكبرى، ففي الملفّ الرئاسي مثلاً، كان واضحًا أنهم يغرّدون في السرب نفسه، فمبادرة الإنقاذ الرئاسية مثلاً تعبّر عنهم جميعًا، كما أنّهم بمجملهم مقتنعون بأنّ الاستحقاق لا يمكن أن يُخاض بعنوان "التحدّي والمواجهة"، من باب "الواقعية" بعيدًا عن "الشعبوية"، بالنظر إلى "خريطة" البرلمان التي لا تسمح لهم أصلاً بلعب دور "بيضة القبان" كما يرغب البعض.

من هنا، يشدّد هؤلاء على أنّ تكتل "التغيير" باقٍ على حاله رغم كلّ "التصدّعات"، بل إنّهم لا يزالون يعتبرون النائب "المنسحِب" ميشال الدويهي مثلاً واحدًا منهم، باعتبار أنّ الرجل أراد ربما "هامشًا من الاستقلالية" لا أكثر، فيما لا يزال مشروعه هو "التغيير"، وهم يشيرون إلى أنّ العمل حاليًا منصبّ على "توسيع" دائرة "المؤمنين بالتغيير" إن جاز التعبير، وهو ما قد بدأ بالظهور في جلسات انتخاب الرئيس، مع الانفتاح على "المعتدلين والمستقلين".

لكن، خلافًا للصورة "الوردية" التي يحاول بعض نواب "التغيير" إيصالها إلى الرأي العام، تبدو الصورة "سوداوية" بالنسبة لآخرين، ممّن يؤكّدون أنّ "تكتّل التغيير" انتهى عمليًا، خصوصًا أنّ نواب "الثورة"، إن جاز التعبير، التحقوا بها على الأرجح، فتحوّلوا إلى نموذج "مخيّب للآمال" بعدما كان "واعدًا" عند انطلاقته، خصوصًا بعدما تمسّكوا بالشعارات والمعارك الدونكيشوتية، ما منعهم من تحقيق أيّ إنجاز، أو حتى من خوض النضال من الداخل.

وإذا كان ما حصل في جلسة انتخاب اللجان "نقطة سوداء" في أداء النواب "التغييريين" بالنسبة إلى كثير من المتابعين، الذين يلفتون إلى أنّه كان يمكن لهؤلاء النواب أن يدخلوا إلى "صلب" كل اللجان بالتوافق، لكنّهم فضّلوا خوض معارك يدركون سلفًا أنها "خاسرة"، ما من شأنه إفراغ دخولهم إلى البرلمان من مضمونه، فإنّ الأكيد وفق هؤلاء أنّ "حصر الخلافات" بهذا التفصيل، قد يكون "تسطيحًا" لها، على أكثر من مستوى.

يرى هؤلاء أنّ "جدل" عشاء السفارة السويسرية مثلاً "فضح" عمق الخلافات وحجمها، خصوصًا بعدما فتح "السجال" حول اتفاق الطائف صراحةً، حيث بدا أنّ نوابًا "تغييريين" متمسّكون بالنظام كما هو، بل "يزايدون" على قوى المنظومة في "تقديسه"، ما يطرح علامات استفهام عن استحقاقهم لصفة "التغيير"، فيما نواب آخرون في صلب التكتّل نفسه، لا يعترضون على "تغيير النظام"، انسجامًا مع شعارات "ثورة تشرين" التي أتوا من رحمها.

أكثر من ذلك، قد يكون "الفرز" الذي أضحى واضحًا بين نواب "التغيير" مثيرًا للكثير من علامات الاستفهام، خصوصًا بعدما بات واضحًا انقسامهم إلى مجموعتين بالحدّ الأدنى، يقف نائب أو اثنان في نقطة "الوسط" بينهما، فيما وُصِفت إحداهما عبر الإعلام بـ"المشاغبة"، لتمسّكها بهامش من الحرية والاستقلالية، ورفضها أيّ مصادرة لرأيها من خلال التصويت، وإصرارها على "الإجماع"، ما يكبّل التكتّل برمّته بصورة أو بأخرى.

لا شكّ أنّ تكتل "التغيير" شكّل تجربة جديدة في العمل النيابي، واعدة إلى حدّ بعيد، لكنّ الصورة لا تبدو على حالها بعد أسابيع قليلة من الانتخابات النيابية، فأحد نواب "التكتل" معتكف عن حضور الاجتماعات، وآخر أعلن انسحابه منه، وثالث لم يتوانَ عن "تكذيب" زميله صراحة، وسط اتهامات لهم بـ"الولدنات" على أكثر من مستوى، فهل هذه هي تجربة "التغيير" التي راهن كثيرون عليها، أم أنها "بداية النهاية" كما يراهن آخرون اليوم؟!.