بات واضحاً أن الدولة اللبنانية لن تتراجع قيْد أنملة عن خطواتها العملانية بشأن عودة النازحين السوريين إلى بلادهم. الضغوط الغربيّة واضحة على ألسنة مسؤولي المنظمات الدوليّة الذين يرفضون تشجيع هذه العودة ويعتبرها بعضهم أقرب إلى "ترحيل إجباري". مع ذلك، كان رد المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم حاسماً: "مستمرون بخطّة إعادة النازحين ولا نخضع للضغوط لأن مصلحة لبنان فوق كل اعتبار".

صحيح أنّ القوافل الثلاث التي ستمرّ عبر معابر الزمراني والمصنع والعبودية لن تكون "حرزانة" على اعتبار أنها ستنقل فقط 751 شخصاً (726 من البقاع، 12 من الجنوب، 12 من الشمال، وشخصاً من جبل لبنان، ما يعني أنّ قافلة الزمراني سيكون على متنها 726 شخصاً، و12 عبر المصنع و13 عبر العبودية)، إلا أن إبراهيم يُراهن على أن هؤلاء سيشجعون الآخرين على العودة بعد استقرارهم بشكل آمن في بلادهم.

لذلك، عمل على تبديد كل العقبات التي ظهرت أخيراً من الإعفاءات من الضرائب والرسوم الجمركية في سوريا واستخراج وثائق الولادة للمواليد السوريين في لبنان (98% من الولادات غير مثبتة في سوريا)... وبقيت العقبة الوحيدة التي تمثّلت بانخفاض أعداد الراغبين في العودة في الدفعة الأولى، هي تمنّع الكثير من النازحين عن العودة بسبب وجود ملاحقات بحقهم بعدما أبلغهم الأمن العام بذلك بكل وضوح إثر مراجعة السلطات السورية. وهذا ما أدى إلى زيارة خاطفة قام بها إبراهيم منذ أيّام لحلّ هذه المسألة بغية الاتفاق على الترتيبات اللوجستيّة لإنهاء عودة الدفعة الأولى التي يبلغ عددها 2454 شخصاً تقدّموا بطلبات الرغبة بالعودة لتأتي موافقة الجانب السوري على 1700 منهم، على أن يُغادر 751 منهم اليوم، ومن المرجّح أن تتم مغادرة الباقين بداية الأسبوع المقبل.

وبحسب معلومات "الأخبار"، فإن إبراهيم انتزع موافقة نهائية من السلطات السوريّة على تسوية أوضاع المطلوبين الذين يرغبون في العودة إلى بلادهم، ومن بينهم من لديه ملاحقات أمنية وقضائية بما فيها محاضر السير على سبيل المثال والذين يبلغ عددهم 510، ومراجعات للجهات المختصة في سوريا كدائرة الهجرة مثلاً ويبلغ عددهم 17، والمطلوبون للخدمة العسكرية الإلزامية ويبلغ عددهم 227، فيما أعطت السلطات السورية إمكانية التخلّف عن الخدمة 6 أشهر بعد العودة.

واشارت المعلومات إلى أن نقطة وصول القوافل الآتية من الزمراني هي مدرسة الجراجير في منطقة القلمون، حيث سيكون بانتظار النازحين المطلوبين للسلطات السوريّة لجنة أمنية وقضائية مؤلفة من الفروع الأمنية كافة (بينهم محققون) وبعض القضاة من أجل تسوية أوضاع النازحين والتحقيق معهم ومحاكمتهم بهدف إنهاء كل الإجراءات القانونية بما فيها ترتيب الإجراءات الخاصة بشمول الكثيرين منهم بالعفو العام الصادر عن الرئيس بشار الأسد في نيسان الماضي.

وهذا يعني أنّ السلطات السوريّة قدّمت تسهيلاتها إلى أبعد الحدود، حتّى صار بإمكان النازحين العودة والخضوع للتحقيق والمحاكمة في اليوم نفسه قبل انتقالهم إلى قراهم من دون حاجة لزيارة أي مركز أمني أو قضائي لاحقاً.

دور المنظمات الانسانية

لم يكن مستغرباً تقلص عدد العائلات السورية التي كانت ترغب في العودة الى قراها في القلمون الغربي قبل أن تغيّر رأيها. العراسلة أنفسهم عبّروا عن استيائهم من الدور الذي تقوم به المنظمات الدولية والمعارضون السوريون في عرسال في ثني الراغبين ممن سجّلوا أسماءهم في لوائح الأمن العام منذ أشهر.

مصادر متابعة في عرسال أوضحت لـ"الأخبار" أن الفرق العاملة لدى جمعيات وهيئات دولية دأبت في الأسابيع والأيام الماضية، الى جانب عناصر من المعارضة السورية، على بث شائعات لإخافة الراغبين من "الموت الذي ينتظرهم"، مع وعود بـ"مزيد من المساعدات".

وبالفعل، تراجعت غالبية العائلات عن قرار العودة، وأكّدت مصادر في الأمن العام اللبناني أن العدد الفعلي للعائدين لن يتبيّن قبل صباح اليوم عندما يصل هؤلاء إلى معبر وادي حميد - الزمراني. وبحسب المصادر، فقد سُجل حتى ليل أمس قيام 40 عائلة فقط بتوضيب حاجاتها تحضيراً للرحيل من أصل 400 عائلة سجل أفرادها أسماءهم للعودة.

الترسيم مع سوريا

على صعيد سياسي آخر، كشفت مصادر دبلوماسية عبر "اللواء" عن أسباب الغاء دمشق زيارة الوفد اللبناني الذي شكله رئيس الجمهورية ميشال عون بمعزل عن موافقة مجلس الوزراء اللبناني للتفاوض مع الجانب السوري لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وقالت: ان السبب الاساس، يعود الى ان طرح موضوع الترسيم هكذا، فاجأ الجانب السوري، وحصل من جانب لبنان بمفرده، ولم يتم التحضير المسبق له بين البلدين، باجتماعات تمهيدية لتذليل كل الصعوبات القائمة، كما يتطلب الامر ذلك، وبعدها تعقد الاجتماعات على مستوى المسؤولين المعنيين للاتفاق النهائي عليه.

وشددت المصادر على ان السبب الثاني المهم، هو ان طرح موضوع الترسيم مع سوريا بعد حصول اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل مباشرة، وكأنه تحصيل حاصل، انما هو اعتقاد خاطىء، وكان الاجدى التنبه اليه قبل الاندفاع باتجاه مقاربته على هذا النحو، لانه ليس صحيحا، ان ما يصح الاتفاق عليه مع إسرائيل، يطبق مع سوريا فورا.

واشارت المصادر الى ان السبب الثالث يعود الى ان صيغة التفاهمات الإقليمية والمحلية والدولية التي ادت الى اتفاق الترسيم بين لبنان وإسرائيل، لا تنسحب على سوريا التي تظللها تفاهمات مختلفة عما حصل مع لبنان، لا سيما بخصوص علاقاتها المقطوعة مع الولايات المتحدة الأميركية. وهذا يشمل في طياته الاعتراض الضمني لدمشق على انخراط ايران في استيلاد هذا الاتفاق، بمعزل عن سوريا، واشارتها بأن ما حصل مع لبنان، لا يطبق على سوريا، لان اوضاعها وعلاقاتها مختلفة.

واعتبرت المصادر ان احد الاسباب المهمة ايضا، هو عدم رغبة الجانب السوري، اثارة هذا الملف من أساسه، لأنها ترفض التفاوض حوله، بالرغم من كل محاولات اثارته، سياسيا واعلاميا، لتشويه الموقف السوري.

وكشفت المصادر النقاب عن المسؤولين السوريين، يعتبرون ان رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه، لم يعطوا العلاقات السورية اللبنانية حقها، طوال مدة ولايته، وبقي على مسافة بعيدة عن اعادة الحرارة الطبيعية للعلاقات اللبنانية السورية، بل ابعد من انقطع انقطاعا تاما عن تفعيل التواصل بين البلدين.

والاشارة الاهم استنادا إلى المصادر، هو عدم رغبة المسؤولين السوريين بأن يكون نائب رئيس مجلس النواب إلياس ابوصعب، رئيسا للوفد اللبناني، لانه على علاقة متوتره وغير مرغوب فيه بالعاصمة دمشق.

وفي الخلاصة، استنادا للمصادر المذكورة، فإن دمشق أبلغت رئيس الجمهورية ميشال عون، بأنه ليس مستحبا، أن يطرح ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسوريا، في ما تبقى من ايام معدودة من ولاية عون، والافضل ترحيل هذا الملف للعهد المقبل بداية، او الحاقه بمستودع القضايا والمسائل المعلقة بين البلدين الى ماشاء الله.