تسبّب قرار الحكومة اللبنانية تقليص الدعم المخصّص للدواء بارتفاع أسعار الأدوية وحتى فقدانها من السوق: تراجع مصرف لبنان عن دعم الأدوية بسبب انخفاض احتياطي العملات الأجنبية لديه وتأخّره في فتح الاعتمادات اللازمة لاستيراد الأدوية، إضافةً لتفاقم الاحتكار والتخزين وتأخر وزارة الصحة عن توقيع مؤشّر ارتفاع الأسعار الذي يؤدّي إلى امتناع الشركات المستوردة للدواء عن تسليمه إلى الصيدليات، عوامل كفيلة بلجوء المرضى، خصوصاً المسنّين منهم، إلى تركيبات بديلة بما أنّ "أدويتهم لمدى الحياة، إذا ما أخدوها بموتوا" حسب تعليق الصيدلي محمود غدّار.

وقد يموتون أيضاً بسبب عدم قدرتهم على دفع التكاليف الباهظة للاستشفاء مع انهيار أنظمة الدعم والرعاية كصناديق الضمان والتعاضد والبرامج الحكومية وتقديمات القطاع الخاص وشبكات الحماية الأسرية. إنّ خطورة هذا الوضع أثارت انتقاد المراجع الدولية لا سيّما المقرِّر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، أوليفييه دي شوتر، الذي ندّد بالإلغاء الجزئي "المشين" للحكومة للإعانات على الأدوية الأساسية، واصفاً النقص الحاد فيها وارتفاع أسعارها أربعة أضعاف على الأقل، بـ "عقوبة إعدام شبه مضمونة" لمن هم في أمسّ الحاجة لهذه الأدوية والعلاجات.

المسنّون الأكثر تأثراً بالأزمة

"المسنّون هم الفئة الأكثر تأثراً بالأزمة لأنّ كل 3 من 4 حالات من المصابين بالأمراض المزمنة هي من المسنّين"، وفق ما يؤكدّه الدكتور حسن كوثراني. وهو يضيف أنّ "العديد من المسنّين، وخصوصاً مرضى السكّري والضغط والقلب، أصبحوا بحاجة لما يقارب الـ 10 ملايين ليرة لبنانية شهرياً لتغطية نفقات علاجهم، ولذلك تأثير سلبي كبير على من هم عاجزون عن تأمين هذه الكلفة بسبب صعوبة الوضع الاقتصادي". ويذكر كوثراني أنه بات يواجه حالات مَرَضيّة لم يعهدها من قبل، كمريض لا يجد دواء سيلان للدم وآخر يبلغ مستوى السكّري في دمه 600 ملغم/دل بسبب عدم تمكّنه من تناول دوائه.

كلام تؤكّده دراسات ميدانية تُظهر مدى تردّي الأحوال الصحية لكبار السن في لبنان، من لبنانيين وسوريين، بسبب ارتفاع معدّلات الفقر تحديداً. وبحسب تقرير "المؤسسة الدولية لكبار السن"، "يشكّل هؤلاء 11% من سكان البلاد. يعتمد حوالي 80% منهم على أسرهم للحصول على الدعم المالي أو على مدخّراتهم التي فقدت قيمتها، هذا إن وجدت. كما أنّ معظمهم لا يتلقّون أي معاش تقاعدي أو دعم مالي من الدولة على الإطلاق". وقد حدّدت دراسة أجرتها "الدولية للمعلومات" سنة 2019 عدد المسنّين اللبنانيين الذين تجاوزوا سن الـ 64 بـ 45 ألف شخص، فيما يشكّل كبار السن في أوساط النازحين السوريين نحو 2.5 % من مجموعهم.

المأساة وحجم المساعدات

يخرج المواطن علي حمّود (83 عاماً) من الصيدلية فارغ اليدين. "لم أجد دوائي في 6 صيدليات. أبحث عن بديل له لأنني لا أستطيع الاستغناء عنه، فأنا مريض سكّري وضغط". حاله كحال فاطمة اسماعيل (61 عاماً) التي تقيم في منطقة البقاع وتعاني من عدّة أمراض مزمنة. "لم يعد باستطاعتنا أنا وزوجي الذي يعمل في إحدى ورش البناء، أن نؤمّن ثمن الدواء، فسجّلت إسمي لدى منظمة "أطباء بلا حدود" قبل سنتين، وأصبحت أحصل على كامل أدويتي شهرياً بشكل مجاني".

وإن حصلت النازحة السورية منى (65 عاماً) كما فاطمة اللبنانية على أدويتها من منظمة "أطباء بلا حدود" إلّا أنها تجد صعوبة بالغة في إبقاء الأنسولين مبرّداً كي لا يفسد، مع ساعات انقطاع الكهرباء الطويلة: "أصبحت أكبر امنياتني ألّا أموت بسبب انقطاع الدواء. أتمنّى أن يتحسّن الوضع لأننا لم نعد نحتمّل هذا الذل".

لمنظمة "أطباء بلا حدود" أكثر من عشرة مراكز في بيروت والبقاع وطرابلس وعكار، وفي الأماكن التي تضمّ تجمّعات كبيرة للنازحين السوريين. ويجول فريقان متنقّلان تابعان لها في مختلف المناطق لمساعدة المرضى، خصوصاً كبار السن العاجزين عن الوصول إلى مراكز المنظمة، سواء لدواعٍ صحية أو بسبب أزمة الوقود وارتفاع أجور النقل. وتغطّي المنظمة علاج مجموعة من الأمراض كالسكّري وارتفاع ضغط الدم والكولسترول، كما تعمل على نشر التوعية الصحية من خلال تعليم المرضى كيفية إجراء اختبار السكّري الذاتي، على سبيل المثال.

تقنين جرعات الدواء!

عجزت نجاة، الهاربة وأسرتها من ريف حلب في سوريا إلى زحلة، لمدّة طويلة، عن تأمين دواء القلب والضغط لوالدة زوجها، رغم عملها هي وزوجها. فعمدت إلى التقليل من جرعات الأدوية التي تتناولها حماتها المسنّة، كما يفعل الكثير من المرضى ظناً منهم أنهم يطيلون فترة حمايتهم إلى حين توفّر الدواء... إلى أن أخبرها جارها عن مستوصف حوش الحريمي الذي يقدّم فحوصات وأدوية مجانية في زحلة. إنه واحد من المراكز الاستشفائية المجانية التي تشهد إقبالاً كثيفاً من قبل المواطنين اللبنانيين كما النازحين السوريين.

تؤكّد الناشطة في مستوصف حوش الحريمي منيرة العسكر أنّ "الحصول على هذه الخدمات لا يتطلّب سوى التواصل مع المستوصف وحجز موعد مسبق لتنسيق الوقت مع الدكتور المختص"، مشدّدةً على أنّ "المعاينة شبه مجانية، فلا يتوجّب على المريض سوى دفع مبلغ رمزي هو عبارة عن 3000 أو 5000 ليرة لبنانية، في حين أنّ الفحوصات مجانية لمن هم فوق الـ 60 سنة ودون الـ 5 سنوات، علماً أنّ المستوصف يقدّم خدماته عبر ثلاثة فروع في إنطلياس وبرّ الياس وزحلة".

منظمات في المواجهة

"يقدّم الصندوق الدولي للتأهيل للأشخاص ذوي الإعاقة المساعدة في ما يخص الأطراف الصناعية والمعدّات الطبية كالنظارات لمن يعانون ضعفاً في النظر، والسمّاعات للأذن، والكراسي المتحرّكة..." كما يشير الناشط أنطوني انطون، موضحاً أنّ "الخدمات تقدّم للجميع، إلّا أنّ أكثر المستفيدين منها هم من فئة المسنّين. وآلية تقديم المساعدة هي على الشكل التالي: يقدّم المريض طلباً بحاجته، ثمّ يُعرض الطلب على الطبيب الذي يدرس الملف ويرفعه للجمعيّة لتقديم ما يحتاجه المريض. كما تقدّم الجمعيّة جلسات علاج فيزيائي مجانية. وجميع هذه الخدمات تُقدَّم للنازحين السوريين كما للمواطنين اللبنانيين".

المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR تغطّي الحالات الطبية والصحية للنازحين السوريين المسجّلين لدى المفوّضية بنسبة تصل إلى 85%، وفي بعض الحالات، إلى 100%. وتتعاون جمعيّة Nextcare مع المفوّضية، بصفتها الشريك المعتمد من قبل UNHCR في لبنان، وبالتالي المسؤول عن تقديم الخدمات الصحية التي تغطّي كلفتها المفوّضية. "فهي بمثابة وسيط بين المستشفى والمفوّضية، وتغطّي كل العمليات بنسبة 75%"، كما توضح مايا أبي صالح من Nextcare، لافتةً إلى أنّ "الأكثر استفادة من هذه الخدمات هم المسنّون، فهم الفئة الأكثر عرضة للعمليات الجراحية". والمستشفيات المتعاقدة مع الجمعيّة موزّعة على كامل الأراضي اللبنانية. أمّا تغطية النفقات فتؤمّنها الجمعيّة بالتعاون مع مفوّضية الأمم المتحدة للاجئين عبر دفع نسبة الـ 75% من المستحقات المتوجّبة على المريض مباشرةً للمستشفى.

من جهتها، توفّر منظمة Syrian American Medical Society (SAMS) الطبابة المجانية. وتشير علا محي الدين، منسّقة المشاريع في SAMS، إلى أنّ المنظمة تعمل وفق مسارين هما الصحة والإغاثة. "بالنسبة للمسار الصحّي، فهو يشمل الخدمات الصحية المتقدّمة والخدمات الصحية الأوّلية، أي الخدمات التي تغطّي فرق فاتورة المستشفيات لجميع الأجانب على الأراضي اللبنانية، ومن ضمنهم النازحون السوريون والفلسطينيون، كما للمواطنين اللبنانيين، علماً أنّ هؤلاء المرضى موزّعون على 50 مستشفى في لبنان". وتوضح محي الدين أنّ "التغطية الصحية تشمل كل الفئات العمرية، بما فيها فئة كبار السن، بالإضافة إلى أنّ الحملات الطبية تُنظّم على كل الأراضي اللبنانية وهي عبارة عن استقدام أطباء من مختلف دول العالم لتقديم خدمات طبية مجاناً، بما في ذلك إجراء العمليات الجراحية".

وتدعم SAMS مستوصفات عديدة في لبنان من خلال تغطية جزء من التكلفة للمرضى الذين هم بحاجة لمساعدة: "هناك تركيز على كبار السن، إذ تحرص المنظمة على أن يكونوا مشمولين بأكثر من 75% من المشاريع. وللاستفادة من كل هذه الخدمات، ما على الشخص الذي يودّ الحصول على المساعدة سوى الاتصال على الخط الساخن الخاص بـ SAMSوسيتمّ إطلاعه على كل التفاصيل، بما في ذلك المستشفيات المتعاقدة مع المنظمة، لتغطية كامل نفقات العلاج" كما توضح محي الدين.

لم تستثن الأزمة الاقتصاديّة التي تعصف بلبنان منذ عام 2019 أيّاً من جوانب الحياة ومقوّمات العيش، مستهدفةً بشكل خاص الحقّ بالاستشفاء والحصول على الدواء، إذ سبّبت نقصاً خطيراً في آليات الحماية الاجتماعية والرعاية الصحية وجمعت تحت نيرها كلاً من النازح السوري والمواطن اللبناني على حدّ سواء. فكل من يقيم في لبنان لا يخشى المرض فقط، بل يهاب عدم القدرة على العلاج... فلا رخيص إلّا الأرواح، ولا مسعفٌ إلّا الجمعيّات المحلية والمنظمات الدولية.

نضع بين أيديكم أرقام الجمعيّات التي ذكرناها لمن يودّ الاستفادة من الخدمات التي تقدّمها:

منظمة أطباء بلا حدود: 01/555004

مستوصف حوش الحريمي: 76/582146

الصندوق الدولي للتأهيل: 01/255780

جمعيّة SAMS: 81/329528 71/382754

جمعيّة NEXTCARE: 01/504020