ما تآمَرَ أحَدٌ على لبنان، بِقَدرِ ساسَتِهِ. هَؤلاءِ الَذينَ حَمَلَتهُم مُخادَعاتِ تَفاضُلِ الغَباوَةِ وأعراضِ الإقطاعِيَّاتِ، وإستِنفاعاتِ المَسودينَ لا الأسيادِ الى سُدَدِ التَحَكُّمِ بِمَصائِرِهِ، لَم يَترُكوا دُونِيَّةً إلّا وألصَقوها بِهِ، مِن قَومِيَّةٍ الى شِبهِ قَومِيَّةٍ، وَمِن شِبهِ إنعِزالٍ الى نُتوءاتِ إنعِزالِيَّاتٍ، وَمِن أحجِيَةِ المُساواماتِ الى تِساويَ التَسوِياتِ وأستِنزافاتِ زيفِ التِفاهُماتِ.

هُم أرادوهُ مَطِيَّةً يُخَفِّضونَها لا إستِناداً الى أهواءَ بَل الى جَشَعِ شَهواتٍ.

وَهوَ في تَصعيدِ فِعلِهِ، ما أدرَكَ إلَّا الحُرِيَّةَ.

وَهُم، في قَعرِ مَهاويهِمِ ما بَلَغوا إلَّا حَضيضَ العُبودِيَّةِ، فَصَوَّروهُ إرهاصاتِ إيجابٍ.

أجَل! قُوَّةُ لبنانَ أنَّهُ مِنَ الجَذرِيَّةِ إنبِعاثُهُ وإرتِقاؤهُ وُرُسوخُ ثَباتِهِ. والجَذرِيَّةُ، بِحَدِّ ذاتِها بُطولَةٌ إذ هيَ حَتمِيَّةُ الحُرِيَّةِ. وَمَهما جالَ المُتَحَكِّمونَ بِهِ في صَوغِ تَصاميمَ دَواماتِهِم، سَيَبقونَ في مُدَوامَةِ نِظامٍ لَن يَسقُطَ إلَّا وَقَد قَذَفَهُم الى هُوَّةِ الإضمِحلالِ.

لِنواميسِهِم جَولاتٌ، وَلِجَذرِيَّةِ لبنانَ وِحدَةُ القُوَّةِ الحَقيقيَّةِ، تِلكَ التي، في مَحضِها وَمِنها، يُبانُ مَكمَنُ العَظَمَةِ. ألَيسَ لبنانُ واحِداً أحَداً؟ مِن وِحدَتِهِ هَذِهِ قُدرَتُهُ على التَوَّثُبِ صُعُداً... وَمِن طَمَعِ دَوافِعَ المُتَحَكِّمينَ بِهِ وَتَفَلُّتِ غاياتِهِم في الإستِحكامِ بِهِ، إختِزانُ إنهِيارِهِم الَذي ما يَنفَكُّ يَرفُسُهُم الى أسفَلِ الأسافِلَ... حَيثُ يَنتَفي الدَركُ.

أفي تِلكَ الجَذرِيَّةِ، ثَورَةُ لبنانَ على الظُلمِ؟ إذِ الظُلمُ إستِعصاءُ حالاتٍ مَرَضِيَّةٍ تَطفو بالبَربَرِيَّةِ عَلى عَوافيَ الإنسانِيَّةِ، فَلبنانُ كانَ، وَهوَ الآنَ، وَسَيَبقى ثَورَةَ العافِيَةِ إذ هيَ حَرَكَةَ الدَيمومَةِ المُنطَلِقَةِ مِن ذاتِها وَلِذاتِها. وَبِقَدرِ ما تَكونُ سامِيَةً بِجَلالِها، بالقَدرِ عَينِهِ تَكونُ شَهادَةَ ذاتِها لِذاتِها. أمَّا غَلَبَتُها، فَفي صَونِها لِقُدرَةِ خَلعِ نيرِ الجائِرِ، والفَوزِ بِضَميرِ الجائِزِ، ذاكَ الَذي ما كانَ تاريخٌ إلَّا وإنكَتَب بِمَسيسِ الحاجَةِ إلَيهِ.

بِذَلِكَ، لبنانُ يَستَنفِرُ لا عُهودَ المُنطَلَقاتِ البَشَرِيَّةِ الهاجِعَةِ، بَل يَستَحِثُّ مَصائِرَ عَوالِمَ الأحرارِ، حَيثُما هُمُ، وَمَتى هُمُ. ها هوَ، بَينَ الشَرقِ والغَربِ، بَينَ الشَمالِ والجَنوبِ، نِقطَةُ لُقيا الأضدادِ وَمُصالَحَةِ الإختِلافاتِ. وَحدُهُ إنبَسَطَ حَضارِيَّاً بَينَ كَثافَةِ تِلكَ المَراميَ وَجَبرِيَّاتِ رَهبَتِها، وَما بَنى تَسَيُّداً إستِعمارِيَّاً بَل إمبراطورِيَّةَ العَقلِ والفِكرِ، بالكَلِمَةِ: إمبراطورِيَّةَ الضَميرِ، أرصَنَ الإمبراطورِيَّاتِ وأكثَرَها دَيمومَةً لأنَّها... مِن ثَورَةٍ أيّ مِن هَيبَةِ حُرِيَّةٍ. وأيُّها ؟ تِلكَ الجامِعَةُ. ولأنَّها كَذَلِكَ، مَحضاً مِن مِحاضِ لبنانَ، جَعَلَتهُ لِلكيانِ الإنسانِيِّ ميزاناً: بالعَدالَةِ خِيِّراتِهِ.

ميزان الوجود

إنَّ لي وَطَناً هوَ الضَؤ إذِ العَوالِمُ ظُلُماتٍ... هوَ خاضَ غِمارَها وَما جَزِعَ وَلا إستَكانَ.

وإنَّ لي وَطَناً هوَ الواجِبُ إذِ العَوالِمُ مُداهَناتٍ... هوَ مُبارِزُها، وَلَها أبى الإخضاعَ.

وإنَّ لي وَطَناً هوَ تَتويجُ الأواتيَ، إذِ العَوالِمُ عَتائِقٌ... هوَ نَفَضَها مُذ تَكَوَّنَ، خالِعاً عَنهُ تَسَيُّدُها.

وأنا، الُلبنانِيُّ، ليَ أنا هَذا الوَطَنُ المُستَصرِخُ هِمَمَ الإلتِزاماتِ، وَبَراهينَ الهَوامِشِ، وَمُناصَراتِ الروحِ، أأبقى في المَفَرِّ الذي لا صَونَ بِهِ؟

أبِمَقدورِيَ بَعدُ، وأنا الُلبنانِيُّ، أن يَستَبِّدَ بيَ تأميمُ عِصابَةِ مارِقينَ، مُتناسِلَةً بِعُصَبِ الإستِحكاماتِ المُتوارِثَةِ، لِأدفَعَ صامِتاً جِزيَةَ نِفاقِ الرَذائِلَ وأضاليلَ المَفروضِ الجامِحِ؟.

في جَوهَرِ الأعراقِ، وَمقاصِدَ الدِياناتِ، وَتَرسيخِ الثَقافاتِ، وَتَهافُتِ الحَضاراتِ، وإلحاحِ الأنسابِ، أأستَويَ خانِعاً بِوَجهِ إزهاقِ الباطِلِ، راضِخاً لِجَورِ الطُغيانِ وَعُنصُرِيَّاتِ ذَوي السُلطانِ، وأنا لُبنانِيٌّ؟.

خَليقٌ بيَ، أنا الُلبنانِيُّ، أن أغدوَ... لبنانَ: لُبنانيَ أنا، جَذرِيَّةُ البُطولَةِ الحَقِّ... لِميزانِ الوجودِ المُترامِيَ الرَشادِ! والجَذرِيَّةُ خَلقٌ مُستَمِرٌّ لا تَجميدَ أوضاعٍ راهِنَةٍ.