مع إشراقة شمس هذا النهار، ومع صدور هذا المقال، سنكون في رعية الشويفات منشغلين بتكّريس بيت الله على إسم رئيس الملائكة ميخائيل، ببركة راعي أبرشية جبيل والبترون وما يليهما للروم الأرثوذكس، المتروبوليت سلوان (موسي) الجزيل الاحترام.

لم يكن هذا العرس ليتم، من دون همّة مجلس ورعيّة الشويفات، وعطاءات المحبّين، وبمؤازرة كريمة من إخوتهم الموحّدين في البلدة، الذين، ومنذ أن بارك المطران جورج خضر، المطران السابق للأبرشية، هذا المشروع في العام ٢٠١٥، لبّوا الدعوات في كافّة المناسبات، لدعم تشييد كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل، والمعروفة بكنيسة المدبّر، نسبة إلى المدبّر مخايل البردويل، الذي وضع المدماك الأوّل في أواخر القرن التاسع عشر، لبناء الكنيسة القديمة، إثر عجيبة شفاء نالها، بشفاعة رئيس الملائكة ميخائيل.

شاءت الظروف أن نتأخر على الفرح، بحدث اليوم، بضعة سنوات لأمور رعائية، ومن ثم بسبب الأزمة السياسية وجائحة الكورونا، لكن بنعمة الله في هذا اليوم المبارك يتمّ تدّشين هذه الكنيسة حسب الأصول المتّبعة في كنيستنا.

إنّ ما نقوم به اليوم ليس نوعًا من أنواع الفولكلور، ولا استعراضًا، إنما تكّريس هذه الكنيسة لخدمة المؤمنين، كي يكون أبناء الرعيّة في الشويفات، جماعة شاهدة ليسوعَ المسيحِ بشرًا وحجرًا. جماعة تنشد المحبّة والسلام والأخوّة والتعاون والرجاء.

من حيث الشكل تتميّز خدمة تكريس الكنائس بالتطواف بذخائر القدّيسين، ومن ثم بوضعها في المائدة، إشارةً على أنّ المذبح الحقيقي هو قلب الإنسان المستشهد عن هذا العالم من أجل المسيح. الشهيد هو المذبح. من هنا كانت القداديس في الكنيسة الاولى تُقام على مدافن شهداء المسيح.

كذلك يتمّ نضح الكنيسة بالمياه المقدّسة وغسل المائدة، ومسحها بالميرون المقدّس (سر التثبيت)، هذه الخدمة ليست إلا دلالة على أن حجارة هذه الكنيسة، باتت مقدّسة ومكرّسة بيتًا لله، وجاهزًة لاستقبال المؤمنين للمشاركة بكافة الخدم الكنسيّة، وإتمام كافّة الأسرار، بعد أن لبست الكنيسة حلّة المعمودية، وهي ثابتة بنعمة الروح القدس، لتحمل لنا الإيمان المستقيم، وتكون مسكنًا لمجد الله ومحجًة للمؤمنين.

لم يشأ أبناء رعية الشويفات للروم الأرثوذكس، أن يوسّعوا كنيسة مار ميخائيل (المدبّر) كي يتباهوا أو يتكابروا، إنّما لكي يقولوا إننا شهود لمجد الربّ في هذه المنطقة، وإنهم يحملون في إيمانهم رسالة سلام ومحبة، لكافة أبناء هذه البلدة والجوار.

لقد اختار المدبّر مخايل البردويل، رئيس الملائكة ميخائيل شفيعًا لهذه الكنيسة، واسم ميخائيل معناه "من مثل اللـه". وهذا إن دلّ على شيءٍ، فإنّما يدلّ على دعوة أبناء هذه الرعيّة لعيش التواضع بخوف الله وإيمان ومحبّة، ولكي يتذكّروا دومًا أن الله لا مثيل له.

صحيحٌ أنّنا منذ العام ٢٠١٧ بدأنا الاحتفالات الدينية في هذه الكنيسة، بعد الإنتهاء من ترميم المبنى القديم وتوسيعه، إلا أنّنا اليوم ندخل مرحلة جديدة، فيها نتعهّد للرب أن نسهر على حفظ هذه الكنيسة كعروسٍ للمسيح، منزّهة عن كل عيب، من خلال سعينا الدائم إلى أن نكون بدورنا مكرّسين للرب، سالكين درب القداسة، حتى نستحق يومًا ما، تلك العبارة التي تقال في القدّاس الإلهي: "المطوّبين الدائمي الذكر، الذين شيّدوا هذا الهيكل المقدّس، والذين سبقت لهم الخدمة فيه من كهنة وعلمانيين، ليذكرهم الرب الإله في ملكوته السماوي كل حين، الآن وكل آوان وإلى دهر الداهرين".

أغتنمها مناسبة لكي أشكر الله، الذي منحنا القوّة لإقامة مسكنًا له، في تلة من أجمل مواقع مدينة الشويفات، لتكون مع كنيسة رقاد السيدة الأرثوذكسية شاهدتين على تاريخ عريق من الوجود الأرثوذكسي المميّز في الشويفات، والذي ساهم مع إخوتهم من أبناء البلدة الموحّدين، وسائر الطوائف، في الحفاظ على نكهة العيش الواحد في هذا الجبل.

الشكر لكلّ من ساهم بعطاءات مغبوطة، من المؤمنين أبناء هذه الرعية والرعايا المجاورة، ومن كافّة الجهّات السياسية والحزبية والبلدية والإجتماعية والأفراد، والمهندسين الذين صمّموا ونفذّوا هذه الكنيسة، وبلوغ هذا الصرح الديني العريق إلى ما هو عليه اليوم. ولا ننسى بركة ومحبة المطران جورج خضر، الذي حضن على مدار خمسين عامًا من أسقفيته، هذه الرعيّة وهذه البلدة العريقة، ووصفها دائمًا بمدينة العلم والمعرفة والعيش الواحد. كما الشكر لصاحب السيادة المطران سلوان موسي راعي الأبرشية الحالي، الذي على يده اليوم سيجرى تكّريس الكنيسة، وهو يعرف جيدًا ويقدّر خصوصيّة هذه المدينة ورسالتها. أطال الله في عمره وعمر سيدنا جورج.

يبقى أن أشكر الأخوة أعضاء مجلس رعية الشويفات، السابقين والحاليّين، الذين لطالما عملوا بروح النهضه والخدمة، وبكلّ نشاط لأجل الوصول إلى ما نحن عليه. صلوات الكهنة الذين سبقوا وخدموا هذه الرعية سترافقنا.

أختم بوصيّة للأجيال المقبلة، من أبناء رعية الشويفات القاطنين في البلدة والمنتشرين ضمن حدود الوطن او في مختلف أصقاع العالم، بأن يكونوا أمناء على هذه الوديعة، وأن يصنعوا من حجارة هذه الكنيسة حجارةً حيّة شاهدة وأمينة لربّها. أوصيهم أن تبقى الشويفات ورعيتها أمانة في أعناقهم، فالحجر من دون البشر لا شيء. أكملوا المسيرة التي صنعها أجدادنا وتبنّيناها نحن. إذا قدّستم هذه الرسالة في الشويفات، عندها نرقد بسلام الربّ، ونفوسنا في الخيرات تحلّ.