في الأسابيع الماضية، طُرحت الكثير من علامات الإستفهام حول التداعيات التي من الممكن أن تترتب على الملف اللبناني، بعد الإنتهاء من إنتخابات الكنيست الإسرائيلي والإنتخابات النصفية في الولايات المتحدة، لا سيما أن البعض كان يراهن على هذه النتائج لتحسين أوراق قوته، خصوصاً أن فوز تكتل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ​بنيامين نتانياهو​، أعاد المخاوف من إمكانية أن يذهب إلى إلغاء إتفاق ترسيم الحدود البحرية، بعد أن كان قد ألمح إلى هذا الأمر في حملاته الإنتخابية.

في هذا السياق، من الضروري الإشارة إلى أن نتانياهو، كغيره من القوى الإقليمية أبرزها ​السعودية​، كان يراهن على فوز كاسح للحزب الجمهوري في الإنتخابات الأميركية، تم وصفه بـ"الموجة الحمراء الكاسحة"، الأمر الذي لم يتحقق، لا بل ان الرئيس ​جو بايدن​ أعرب عن سعادته البالغة بنتائج الإنتخابات النصفيّة، معتبراً أنها عززت وضعه السياسي، نظراً إلى أن النتائج التي حققها الجمهوريون كانت أقل من المتوقع، لا بل الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي كانت تراهن عليه العديد من القوى الإقليمية، مُني بخسارة كبيرة، قد تمنعه من الترشح للإنتخابات الرئاسية المقبلة.

من حيث المبدأ، بات من المستبعد أن يعمد نتانياهو إلى المس بإتفاق ترسيم الحدود، كي لا يدخل في صدام كبير مع إدارة بايدن، مع العلم أن هذا الأمر يعود بالأساس إلى مجموعة من المعطيات الأخرى، التي كانت في الأصل من أسباب إبرام الإتفاق، منها تأييد المؤسستان الأمنيّة والعسكريّة في إسرائيل له، بالإضافة إلى مخاطر الذهاب إلى مواجهة عسكرية مع لبنان، بحسب ما ترى مصادر سياسية متابعة عبر "النشرة"، كما أنه من غير المرجح أن تذهب الجهات الإقليميّة المعنيّة بالملفّ المحلي إلى التشدّد في مواقفها.

من هذا المنطلق، تشير هذه المصادر إلى توقيت الإتصال بين الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​ وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي جاء بعد وضوح الصورة أميركياً، حيث تلفت إلى أن باريس، الساعية إلى لعب دور الوسيط في الملف اللبناني، وجدت الآن أن الفرصة أصبحت متاحة لتفعيل إتصالاتها، على أساس أن القوى الأخرى أصبحت في مرحلة حسم خياراتها، وبالتالي من الممكن الإنطلاق إلى البحث عن المخارج الممكنة.

في الإطار نفسه، تضع المصادر نفسها المعادلات التي كان أمين عام "​حزب الله​" السيد حسن نصرالله قد ذهب إلى وضعها، في خطابه يوم الجمعة الماضي، أي الرئيس الذي يطمئن الحزب ولا يطعنه في ظهره، الأمر الذي دفع بالكثيرين، بعد أن أعطى نموذجاً عما هو مطلوب الرئيسين السابقين أميل لحود وميشال عون، إلى الحديث عن أنه ذهب إلى التصعيد الأقصى، وبالتالي إدخال المزيد من التعقيدات على الملف الرئاسي، الذي يواجه صعوبة كبيرة.

من وجهة نظر المصادر السياسية المتابعة، المسار الأساسي الذي من المفترض متابعته يكمن بالإتصالات السعودية الفرنسية، على قاعدة أن هذا المسار هو الذي من الممكن أن يفتح أبواب الحل، خصوصاً أن باريس تملك القدرة على التواصل مع كافة الأفرقاء المعنيين بالملف اللبناني، وتعتبر أن نتائج الإنتخابات النصفية في الولايات المتحدة لا تشجع، الذين كانوا يراهنون على فوز كبير لترامب، على الإستمرار في المواقف المتشددة، بل على العكس من ذلك قد يكونون في وارد تقديم تنازلات منطقية.

على هذا الصعيد، تعتبر المصادر نفسها أنه، إلى جانب الإدارة الأميركية التي أعطت توكيلاً لفرنسا بشرط عدم المساس بخطوطها الحمراء، فإن هناك فريقين أساسيين يملكان "الفيتو" في الملف اللبناني، الإستحقاق الرئاسي تحديداً، هما الرياض و"حزب الله"، وبالتالي الحل، الذي من المفترض أن تعمل باريس على دوزنته، لا يمكن أن يكون لصالح أحدهما على حساب الآخر، لأنّ هذا الأمر سيحول دون الوصول إلى أيّ نتيجة، نظراً إلى أنّ الجانبين يملكان القدرة على منع وصول أيّ مرشح محسوب على الآخر، حتى ولو تأمّنت له أكثرية الـ65 نائباً.

في المحصّلة، تلفت هذه المصادر إلى أنّ هذا الواقع لا يعني إسقاط ورقة رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​ من الحسابات، أيّ الشخصية التي تطمئن الحزب رئاسياً، بشكل حاسم، لا سيما إذا ما نجح "حزب الله" بإقناع رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل بدعمه، على إعتبار أنّ التسوية، التي من المفترض العمل على ترتيب أوراقها، قد تكون عبارة عن سلّة متكاملة، إسم رئيس الجمهورية المقبل أحد بنودها، لكن من دون الحسم، بالنسبة إلى الوقت الذي قد تحتاج إليه أو الظروف التي قد تسبقها.