اقفل عهد الرئيس السابق العماد ​ميشال عون​ الباب على العديد من الامور والمشاكل التي لم تجد حلولاً لها، وابرزها لعلاقة التي انقطعت بينه وبين رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​. منهم من القى اللوم في تردي العلاقة على المصالح التي كانت تجمعهما، ومنهم من قال ان النائب جبران باسيل هو السبب، ومنهم من جزم بأن الطابور الخامس المحلي والاقليمي فعل فعلته وابعد الرجلين عن مسار التوافق والاتفاق الذي كانا يسيران عليه. وبغض النظر عن السبب، فإن الواقع يفيد بأن الاتفاق انتهى فعلياً ويكاد يكون من المستحيل تماماً اعادة احيائه للظروف التي باتت معروفة.

هذا الاتفاق كان عرضة منذ اكثر من ثلاث سنوات، لشتى انواع الانتقادات والاتهامات، وتجند الكثيرون لتفنيد مساوئه وما ترتّب عليه من ويلات على الاصعدة كافة. ولكن المفاجئ والغريب في آن، هو ان بوادر عودة هذا الاتفاق بدأت تلوح في الافق مجدداً، ولو عبر تغيير الاسماء، ما يعني انه من المقلق والمخيف عدم الاعتبار من كل ما حملته السنوات الاخيرة معها، لتعود رائحة الصفقات والتسويات المجتزأة وتقسيم نسب النفوذ، بموافقة دولية واقليمية ومحلية بطبيعة الحال. فما الذي تغيّر بين الامس واليوم؟ هل المشكلة فقط في اسمي ميشال عون وسعد الحريري؟ وهل يصح لغيرهما ما لا يصح لهما، خصوصاً وان المبدأ نفسه لم يتغيّر؟ وكيف توافق الكتل النيابية على هذه الصيغة في حال تم اعتمادها بالفعل، واين هم التغييريون والمستقلون والحياديون من هذا الطرح؟!.

حتى الآن لم يتم البت بأي شيء في هذا المجال، ولكن كما هو معروف في لبنان، لا دخان من دون نار، وغالباً ما يتم التحضير للامور عبر التمهيد لها مسبقاً، ووفق كل ما هو ظاهر، فإن هذه الصيغة هي التي ستبصر النور، وسيقبلها الجميع ان عبر الترغيب او عبر الترهيب، ويبقى فقط وضع الاسماء في الخانات الخاصة بها، لتعود مرحلة قديمة بحلة جديدة، مع كل ما يرافقها من وعود وتطمينات بالانتهاء من فترة عصيبة وبداية اعتماد الحل المنشود. هي الوعود البراقة نفسها، والآمال الزائفة التي لم تتغير، والحلول المرحليّة التي سرعان ما سينتهي مفعولها للعودة الى ابتكار حلول جديدة على الاساس نفسه.

ان ما يجمع عليه المحللون والمتابعون هو ان نهاية هذه المرحلة ستبدأ حتماً، انما يبقى التوقيت هو حجر الزاوية للاعلان عن بعض التدابير التي ستريح اللبنانيين من دون شك، ولو بشكل تدريجي. غير ان هؤلاء يجمعون ايضاً على ان هذه الحلول والتدابير والراحة، لن تكون مبنيّة على صخر، بل على رمال المصالح والترقيع والتسويات التي لا تعمّر طويلاً، وسرعان ما سيعود اللبنانيون الى الحلقة المفرغة نفسها التي انطلقوا منها، مع فارق كبير وهو ان الانطلاقة الجديدة ستكون "مجددة" (ولن تكون "متجددة") عن السابقة التي عهدوها من حيث الاوضاع المعيشية والمالية والاقتصادية، فيما ستبقى للاسف الناحية السياسية كما اعتادوا عليها منذ عقود طويلة من الزمن، اما الوضع الامني فهو الثابت الوحيد في سلسلة المتغيرات التي تجتاح البلد. ومهما كان اسم الرئيس العتيد واسم رئيس الحكومة الذي سيعلن اطلاق اعمال العهد الجديد بشكل ملموس، فإن رائحة الصفقة بدأت تفوح وتخترق كمامات التغيير والاصلاح والتجديد والثورات بسهولة تامة، من دون اي عوائق تذكر، وستقتصر اصوات المعارضة على من سيكون خارج هذه الصفقة، في اعادة للمشهد الذي ساد سابقاً في بداية ولاية عون.

البشرى السارة هي ان الفترة الصعبة ستبدأ بالانحسار، ولكن بشكل بطيء، وبما يرضي المسؤولين والسياسيين وزعماء الاحزاب الكبرى، وللاسف سرعان ما سيركب اللبنانيون موجة هذا الانحسار البطيء وسيتسابقون لنسيان كل ما عانوا منه على مدى السنوات الاخيرة واشتكوا منه... ومن له اذنان صاغيتان، فليسمع.