أَهَمُّ اِكتِشافٍ يُمكِنُ لِلمَرْءِ أن يَقومَ بِه في عَصرِنا هذا، هو اِكتِشافُ الرَّبّ يَسوع المَسيح الإلَه المُتَجَسِّد. فلا يَستغرِبَنَّ أحدٌ هذا الكلام، لأنَّ مَن يُراقِبُ عالمَ اليوم، يَراهُ يَبحثُ عَن مُخَلِّص!.

كَذلِك، كُلّ مَن يَقول عَن نَفسِه بِأنَّه مُلْحِد، يَبحث عَن مُخَلِّص، الذي رُبَّما يَكون نِظامًا مُخَلِّصًا أو شَيئًا آخر. ولا يُوجَد في الكَوْنِ إنسانٌ واحدٌ لا يَتوق إلى نِظامٍ أفضَلَ مِمَّا هُوَ عَليه، حَتَّى ولو كان في أفضلِ الأنظِمَةِ في هذا العالَم والأكثر تَطَوُّرًا، لأنَّها كُلّها مِن صِنعٍ بَشَريّ.

تُقول المَسيحيّة في ذَلِك، مَا قاَله أَنْدَرَاوُسُ الرَّسُول لأخيه بُطْرُس مُنذُ أكثرَ مِن أَلفَيّ سَنة: "«قَدْ وَجَدْنَا مَسِيَّا» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: الْمَسِيحُ[1]"، وتُثْنِي أيضًا على ما قاله فِيلُبُّسُ لنَثَنَائِيلَ: «وَجَدْنَا الَّذِي كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى فِي النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءُ يَسُوعَ ابْنَ يُوسُفَ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ[2]».

فإذا اكتَشفنا المَسيح وجَعلناهُ مِحْوَرَ حياتِنا، بِغَضّ النَّظر عَن نَوعِيّة عَمَلِنا، وجَعلنا مِن قُلوبِنا مَسكَنًا له، لاستقَرّت نُفوسُنا في طُمأنينةٍ سَماويّةٍ مَهما اشتدَّت علينا الصِّعاب.

نعم، اِكتِشاف يَسوع يَجعلُنا نَتهلَّل بِه. وهذا الفرَح يَزداد إذا تَشاركنا بِه مَع الآخرين بِمَحبّة صَادِقة وباذِلة. هُنا تَمامًا تَنكَشِف حَقيقة إيماننا على مَذبَح الإنسان الآخر، لا سِيَّما إذا طبّقنا ما قاله لنا الربُّ يسوع: "كُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ.[3]".

حَوْلَ اِكتِشاف الرَّبّ، أستَعيرُ سُؤالَين طَرَحُهما الباحِثُ الاجتماعيّ المُعاصِر في جَامِعة أُكسفورد Theodore Zeldin، اللَّتَيْن شَكَّلتا مِحْوَر مُؤلّفاتِه عِن الإنْسَانِ والسَّعَادَةِ والْمُجْتَمَع، لأُطبّقَهُما في علاقَتِنا مَع الرّبِّ يَسوع:

١- أين يُمكِنُ للإنْسَان أن يَبحثَ عَن طُرقٍ أكثَرَ إِلْهَامًا ليُمضيَ حَياتَه كلَّ يومٍ وكلَّ عام؟

٢- ما هي الطُّموحات التي لم يَتِم اسِتكشافها بَعد، أبعَد Beyond/Au-delà مِن السعادة والازدهار والإيمان والحُبِّ والتِكنولوجيا والعِلاج (النَّفْسيّ)؟

كثيرًا ما سَلّط Zeldin الضَّوْء في مُؤلَّفاتِه عمَّا يُمكِن أن يَفعَلَه النَّاسُ اليوم، الذي لم يَتمَكَّنوا مِن القِيام بِه في القُرُون السَّابِقة، فقال: "لِتَطْوِيرِ رُؤيَة جَديدة لِلمُسْتَقُبَل، يَجِبُ أن نَبدأَ بِرؤيَة جَديدة لِلماضي[4]".

هُنا نَحنُ نَقول: "إنَّ الرُّؤيةَ الجَدِيدةَ لِعِلاقَتِنا بالمَسيح، واكتِشافَنا لَه مِن جَديد، مُرتَبِطٌ بِمَعرِفَتنا لَهُ في العُمْقِ، مَعرِفَةً بَعيدةً عَن أيِّ تأثيرٍ مُحيطٍ بنا، أو أيَّةِ عَوامِل اجتِماعِيَّة أو عاطِفيّة أو عِرقيّة أو غَيرها. كما هي بَعيدة كُلَّ البُعْدِ عَن رَدَّة فِعلٍ أو مَوْقِفٍ مُسبَق".

كَثيرون ابتعدوا عَن المَسيح بِسَبَب سُوءِ تَصَرُّفِ بَعضَ الذين يَتَكَنَّونَ بِالمَسيح، ولَم يُقَدِّموا أفعال تَوْبَة. لكن حرام علينا أن نَبتَعِد عَن يَسوع بِسَبَبِهم.

أمّا الأمرُ الأسوأ فَهوَ "عَدَم قَبُول الحَقيقة"، لأنَّها لا تُناسِبنا. فهذا مُنتَشِر في العالَم بِقُوّة.

في الحَقيقة ما قَالَه الرَّسُولان أَنْدَرَاوُسُ وفِيلُبُّسُ أعلاه، يُشيرُ إلى وُجود شَيءٍ كان مُنتَظَرًا حُدوثه، لأنّهما كانا يَهوديّان، فالعَهدُ القَديم مَليءٌ بالنبوءات عَن مَجيء المَسيح.

لعلّ أبرَز هذه النّبُوءات ما اعتَرفَ بِه رُؤساءُ الكَهنَةِ اليَهود والكَتَبةُ عِندما استدعاهم هيرودسُ المَلِكُ وسألهم عَن مَكانِ وِلادة المَسيح[5]. فأتى جَوابُهم: "فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ. لأَنَّهُ هكَذَا مَكْتُوبٌ بِالنَّبِيِّ[6]".

خافَ هيرودسُ على سُلطَتِه لأنَّه كان مَهووسًا بِها. كَما كانت السُّلْطَةُ هاجِسَ اليَهود، أو بِالأحرى التَسَلُّط، لأِنَّ السُلطَةَ النافعةَ هي مِن لَدُنِ الرَّبِّ ولِمَجدِه.

الأوّلُ أمَرَ بِقَتلِ الأطفالَ[7] عَلّه يَتَخَلّص مِن المَسيح، والفَريقُ الثّاني تآمَرَ على الرَّبِّ وصَلَبَه. لقد أظلمَ الشَّيطانُ قُلوبَهم، فلم يُدرِكوا أنَّهم بِذَلِكَ يَدينون أَنفُسَهم. فيسوع قد قام، أمّا هُم فكان مَصيرُهُم ألSheol أي الجَحيم.

لَقَد أهمَلوا قَولَ الرَّبّ عَن المُكَرَّسين لَه، بأنَّه "هُوَ" نَصِيبُهُم[8]، وبَحَثوا لأنفُسِهِم عَن المَجْدِ في ذاتِهم، فَتَحَقَّقت فيهِم نُبوءةُ حِزقيال النبيّ: "هَلْ تَقُولون إنَّكُم آلِهة وأنتُم بَشر[9]؟".

فبَدَلًا مِن أن تَأخُذَهُم مَعرِفَتُهُم للكُتبِ المُقَدَّسَةِ إلى حُضنِ الرَّبّ، وَقَعوا في الحُفْرَة[10] التي طالما وَعَظوا عنها، وذَلِكَ بِسبَبِ تَعَالِيهِم.

صَدَقَ الآباءُ القِدّيسُون بِتَشدِيدهم على أَنَّ مَعرِفَة الله تأتي أوّلًا مِن خِلال الاتّضاع الكَامِل وليسَ بِقراءةِ كِتاب، أو شَهادةٍ ننالها، أو لقَبٍ يُعطى لنا.

خُلاصَة، إذا تسَاءَلْنا كما تَساءَلَ أيّوبُ الصِدّيق: "فَمِنْ أَيْنَ تَأْتِي الْحِكْمَةُ، وَأَيْنَ هُوَ مَكَانُ الْفَهْمِ؟[11]"، لأجابَتنا والدَةُ الإِلَه: "لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي[12]". نَعَم، عِندها فقط يَنظُر الرَّبُ إلينا، وتَذكُرُنا الأجيالُ ولا تَلعَنُنا.

نِهاية، الجَوابُ على سُؤالَي Zeldin:

أوّلًا: الرَّبُّ هُوَ الطّرِيقُ [13] الذي يُلهِمُنا دائِمًا لِنُمضي حَياتَنا مَعهُ كُلّ حِين.

ثانيًا: نَطمَحُ أن نكونَ دَوْمًا مع الرَّبّ، الذي هو مَصدرُ الفَرَحِ المُزدَهِر بِالنِعَم الإلهيّة والتعزية الحقيقيّة المُفعَمَة بالمَحبّة. هُوَ الطَّبِيبُ الشَّافِي.

هذا هُوَ إيمانُنا: لَقَد وَجَدْنا المُخَلِّص. هذا ما نُعلِنُه، ولَكِن هَل هَذا ما نَعيشُه؟

الجَوَّاب: طَبعًا، هُناك مَن يَعشَقُه ويَعيشُه.

إلى الرَّبِّ نَطلُب.

[1]-يوحنا ٤١:١.

[2]-يوحنا ٤٥:١.

[3] -متى ١٢:٧.

[4]. Point, 16 Octobre 2014

[5]. أتى مَجوس إليه وسَألُوه: «أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ». (متى ٢:٢)

[6]. "وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ". (متى ٦:٢ – ميخا ٢:٥).

[7]. "قَتَلَ جَمِيعَ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ وَفِي كُلِّ تُخُومِهَا، مِنِ ابْنِ سَنَتَيْنِ فَمَا دُونُ" (متى ١٦:٢)

[8]. تثنية ٢:١٨

[9]. حزقيال ٤:٢٨-٩

[10]. Ibid (المرجع السابق)

[11]. أيوب ٢٠:٢٨

[12]. لوقا٤٦:١-٤٨

[13]. "قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي." (يوحنا ٦:١٤).