مرّت الذكرى التاسعة والسبعون هذا العام على استقلال لبنان مرور الكرام، دون عرضٍ عسكريّ مركزيّ، كنّا ننتظره لنفرح بجيشنا وبما يقدّمه من عروض مميزة.

لولا الأناشيد الوطنيّة، ووضع الأكاليل على أضرحة رجالات الإستقلال، لنسينا هذه الذكرى.

الإحباط الذي يعيشه اللبناني قد يكون السبب، جرّاء ما جنته إيادي المسؤولين، الذين أهملوا هذه الوديعة وانساقوا إلى العصبيّات الطائفيّة بدلًا من الشعور الوطني، الذي زرعه فينا رجال أبطال، أحبّوا لبنان وأخلصوا له.

يبقى الإستقلال نشيدًا تصدح به الحناجر وأغنية نرددها بنكهة عسكريّة، تسكب فينا الحماس، لا سيّما مع ترداد أغنية "تسلم يا عسكر لبنان"، والتي باتت ترافق النشيد الوطنيّ الرسميّ في كلّ مناسبة وطنيّة وعسكريّة.

سألت نفسي مرارًا وتكرارًا ما الذي يشدّني إلى هذه الأغنية الوطنيّة المميّزة؟ فتّشت في أعماق نفسي وبين ثنايا جوارحي، وبينما كانت دموعي تنهمر حسرةً على بلد الأرز، لما وصلنا إليه، جاءني الجواب من حفلٍ فنّيٍّ في قصر الأونيسكو، حيث جمع كلّ أقطاب الدولة، باستثناء رأس البلاد، الغائب عن ضمير المسؤولين! جاءني الجواب من سياسيّين يغنّون الإستقلال، وناسين حُماته، العاملين في الليل والنهار، في الحرّ والبرد، في الحرب والسلم، ناسين عسكر البلاد الذين اقسموا يمينًا حفاظًا على علم البلاد وذودًا عن لبنان.

هذا الجنديّ أكثر المتأثرين في المصيبة الإقتصاديّة التي نزلت بنا، وما زال يضحّي في الغالي والنفيس، بينما سياسيو هذا البلد غارقون في دهاليز التحدّيات والنكايات والنكد السياسي.

محبتي لمؤسسة الجيش لم تولد بالصدفة. فالبزّة العسكرية شدّتني منذ مطلع شبابي، ولأني وحيد العائلة، حالت دون انخراطي في هذه المؤسسة الوطنيّة، التي ما بخلت في تقديم قرابين على مذبح هذا الوطن.

هذه الأغنية التي انشدتها الشحرورة صباح عام ١٩٨٠، وكتب كلماتها ولحنّها الفنان القدير زكي ناصيف، تثلج قلوب المحبّين والمناصرين والمتحمّسين للجيش اللبنانيّ، الذي يشكّل لتاريخه، مع باقي القوى الأمنيّة، الضمانة الوحيدة للاستقرار الأمني والنفسي في البلاد، بينما باقي المؤسسات الرسمية، باتت في موقع سقوط مدوٍّ نتيجة السياسات العشوائية والزبائنيّة والاستنسابيّة التي انتهجها المسؤولون عندنا، بالإضافة إلى الفساد والسرقات والسمسرات، التي اهدرت المال العام وأوصلتنا إلى حالة الإفلاس، دولةً وشعبًا ومؤسسات.

بينما أركان الدولة يكتفون بالتصفيق للأغاني الوطنية ويهلّلون لجيشه، هناك جنديّ يستعطي مالًا من مصرف، وآخر يعمل في مهن متعددة خارج دوام عمله، ليكفي حاجته وحاجة عائلته... أهكذا نحمي جيشنا ونناصره؟ فلولا حكمة قيادته وسهرهم وعنايتهم الفائقة، ووعيهم لمسؤليّاتهم لأضحت هذه المؤسسة في خبر كان.

شكرًا يا عسكر لبنان، وتسلم لأنك ما زلت الرمز والأمل وحامي الإستقلال، رغم كلّ الظروف الصعبة التي تعانيها لم تيأس أو تستسلم، نرفع الدعاء أن تبقى هذه المؤسسة بعيدة كلّ البعد عن التجاذبات السياسيّة والإنقسامات الطائفيّة.

فلنلتف حول جيشنا، ولنعزز قدراته القتاليّة والماديّة. هذه مسؤوليّة ملقاة على عاتق اللبنانيّين عمومًا والسياسيّين خصوصًا.

عندما يسعون القيّمون على البلد ليكون جبينُ جيشنا عالٍ في الميدان، عندها يستحقون مشاهدة ورعاية أيّ حفل فنّيٍّ وطنيّ في لبنان.