ذكرت صحيفة "الجمهوريّة"، أنّ "في زمن التعقيدات السياسية والعِقَد النفسيّة، يصبح الحديث عن إمكان اختراق داخلي في الجدار الرئاسي خارج الواقع. فعدم التوافق حتّم معركتين مفتوحتين؛ الأولى آنية دائرة في مسلسل متواصل على حلبة جلسات مجلس النواب الفاشلة في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، والثانية لاحقة، أي معركة الثلث المعطل لنصاب إنعقاد جلسات الانتخاب".

وأشارت مصادر سياسية واسعة الاطلاع لـ"الجمهورية"، إلى أنّ "ما بين المعركتين، لا يبدو انّ الملف الرئاسي سيتحرّك قيد أنملة خارج حقل الألغام الداخلية التي تزنّره. ومردّ ذلك إلى انّ المنطق الداعي إلى التوافق على رغم انّه الوصفة الوحيدة لتجاوز هذه الأزمة، غلبه منطق التعطيل وأحبطته خلفيات الأفرقاء ورغباتهم، اختارت سبيلاً تصعيدياً، أغلقت فيه كلّ منافذ الانفراج، وقطعت من خلاله كل خطوط الرجعة نهائياً، برِهانها على أمرين كلاهما مستحيل التحقيق:

الأول، أن ينجح تصعيدها في الوصول إلى لحظة حاسمة تغلّب منطقها، بما يمكّنها من حمل الجهات الداخلية الاخرى على الرضوخ الى منطقها، وجرّها إلى تقديم تنازلات سياسية تسيّلها في الملف الرئاسي، بما يحقق هدفها بإيصال مرشحها إلى رئاسة الجمهورية.

الثاني، انّ ترسم بتصعيدها مساراً مسبقاً لأي تحرّك خارجي، في الاتجاه الذي يحقق هدفها، ما يعني تغليب فئة على فئة".

ورأت أنّ "خطورة هذا المنحى التصعيدي، تكمن في كونه اقرب إلى مقامرة ومغامرة باستقرار البلد، تقفز فوق واقع البلد وخريطة التوازنات فيه، وتحضّر أرضيته لتلقّي صدمات وتداعيات شديدة الخطورة والكلفة، والوضع المتدحرج سياسياً، سيصل إلى لحظة الاصطدام، إن عاجلاً او آجلاً. وأخطر ما فيها إن حصلت، انّ التداعيات والمخاطر لن تكون محصورة في مجال او قطاع دون آخر، بل شاملة كل شيء، حتّى الطائف والنّظام لن يكونا بمنأى عنها".

ممهدات التداعيات

لفتت الصحيفة إلى أنّ "ممهدات هذه التداعيات بدأت تتظهر سريعاً في موازاة هذا المنحى، وخصوصاً على المستويين الإجتماعي والاقتصادي". وفي هذا الجو، قرع خبير مالي جرس الخطر المالي، مشدّدًا لـ"الجمهورية" على أنّ "المستغرَب هو استسهال السياسيين للفراغ في سدّة رئاسة الجمهورية والخلل القائم على مستوى المؤسسات، وإعماء أبصارهم عن الكلفة العالية التي يدفعها لبنان".

وأوضح أنّه "إذا كانت صرخة المواطن اللبناني تتعالى من وجعه من الضائقة التي يعيشها، والارتفاع الرهيب واليومي في الاسعار، الّا انّ الصرخة الأخطر لا يطول الوقت وتتعالى من الخزينة. فالفراغ في رئاسة الجمهورية مضى عليه ثلاثة اسابيع، فهل يعرف السياسيون انّ هذه الاسابيع الثلاثة دفع فيها لبنان كلفتها نزيفاً حاداً بعشرات ملايين الدولارات؟".

قدرة الصمود منعدمة

أعربت مصادر سياسية مسؤولة، عبر "الجمهوريّة"، عن استغرابها ما سمّته "الهروب من المسؤولية، وتحضير أرضية البلد لأزمة اعظم"، مبيّنةً "أنّها تخالف القائلين بإمكان صمود لبنان في وضعه الراهن من الآن وحتى الربيع المقبل، فهذا افتراض فيه شيء من التفاؤل، فالوضع لا يبشر ابداً، وقدرة البلد على الاحتمال والصمود منعدمة، وباتت تقاس بأسابيع قليلة جدًّا".

وأكّدت أنّ "الحل للأزمة الرئاسية وما حولها من ازمات، هو من عنديات اللبنانيين انفسهم، ولا سبيل له سوى من الداخل، فلننظر إلى خريطة اهتمامات واولويات العالم، كلها محصورة بالحدث الاوكراني وتداعياته. واما وضع لبنان فهو مجرد تفصيل صغير على الهامش، يُطرح من باب إلقاء المسؤولية الاولى والاخيرة على اللبنانيين في التوافق على تخطّي أزمتهم". وأفادت بأنّ "مع الأسف، لا يوجد اي معطى داخلي يؤكّد هذه المسؤولية، بل حالة من الاستعصاء، تراوح في الفشل في انتاج رئيس، ومراكمة العناصر والاسباب الدافعة إلى السقوط الكارثي".

تحرّك برّي

ركّزت المصادر على أنّ "التسليم بالإستعصاء الداخلي، معناه تشريع الباب امام العاصفة. وإذا كان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد اعلن تعليق مبادرته بجمع الافرقاء الى طاولة حوار توافقي، الّا انّ أمام الواقع المأزوم، عاكف على تجميع أوراقه للانطلاق بتحرّك جديد يقوم به في المدى القريب، يرتكز على مشاورات ثنائية مع الكتل السياسية والنيابية، وهي محاولة أخيرة لإيقاف مسلسل الفشل الذي يتلاحق في مجلس النواب، وتجنيب لبنان مخاطر حقيقية تتهدّده، ليس فقط على المستوى المالي والاقتصادي والاجتماعي، بل في استقراره وعلى المستوى الوجودي للبنان كوطن ودولة".

ولم تقلّل من "صعوبة أي مسعى داخلي لاستيلاد رئيس جديد للجمهورية من حقل التناقضات الداخلية، الّا انّ التحرّك في هذا الاتجاه محكوم بأن يراهن على ضوء في نهاية النفق، وخصوصاً انّ المسعى الجديد سيقوم بشكل أساس على قاعدة الاختيار بين واحد من امرين: بقاء لبنان واستمراره، او تركه ينهار ويسقط ونسقط معه جميعاً. ولم تستبعد المصادر ان يقترن المسعى الداخلي بقوة دفع خارجية جدّية من قبل أصدقاء لبنان وأشقائه".

وشرحت المصادر أنّ "الأساس في أي مسعى داخلي، هو محاولة بلوغ نتائج ايجابية سريعة. فعامل الوقت يضغط في هذا الاتجاه، حيث انّ لبنان لم يعد من المناعة التي تمكّنه من الصمود لفترات طويلة، وبالتالي إنّ عدم بلوغ اللبنانيين التوافق على رئيس في المدى القريب المنظور، يُخشى معه ان يرحّل الملف اللبناني إلى مديات زمنية بعيدة ويركن إلى جانب الملفات الاخرى الساخنة في المنطقة، من الملف السوري، إلى الملف النووي، إلى ملف اليمن، إلى ملف العراق، التي باتت مربوطة ببعضها البعض، وربما صارت مربوطة جميعها بالملف الاوكراني، في انتظار ان يصبح الملف اللبناني جزءًا من صفقة دولية تشمل كل تلك الملفات، وهي صفقة غير متوفرة حالياً، وقد لا تتوفّر في أي وقت، فهي بالحدّ الأدنى تتطلب معجزة".

ماذا عن الخارج؟

أشار مطلعون على الحركة الدبلوماسية لـ"الجمهورية"، إلى أنّ "الحديث عن تحرّك خارجي مرتقب، يفترض الّا يصرف اللبنانيين عن اولوية التفتيش عن مخرج توافقي لأزمتهم".

وذكروا أنّ "بعض المعطيات الخارجية تخالف 180 درجة ما تردّد عن إشارات خارجية حول تحرّك خارجي وشيك لمساعدة لبنان على تجاوز أزمته"، وقالوا إن "في الاستحقاق الرئاسي اللبناني مجموعة من اللاعبين، اللاعب اللبناني، وقد ثبت عجزه عن تسجيل هدف رئاسي في جدار التعطيل، ولاعب درجة اولى خارجي ولاعب درجة ثانية. وحتى الآن ورغم كل ما يُقال عن الخارج، فإنّ اللاعب الاول خارجياً ما زال منكفئاً ومبتعداً عن المشهد الرئاسي اللبناني".

واعتبر المطّلعون أنّ "اللاعب الاول هم الاميركيون، واما كل الآخرين، فهم لاعبون درجة ثانية، يلعبون فقط ضمن حدود مساحة الوكالة الممنوحة لهم من اللاعب الأول، وتبعاً لذلك لا توجد أي مقدمات او إشارات لأي تحرّك اميركي مباشر على خط الملف الرئاسي، او بمعنى أدق، لا يُرى في أفق الأزمة الرئاسية ضوء اخضر اميركي لإطلاق أي مبادرة او تحرّك. بل انكفاء واضح نحو الملفات الأكثر اولوية بالنسبة إلى الادارة الاميركية".

وخلصوا إلى أنّ "واشنطن لم تخف انكفاءها عن الدخول في شكل مباشر على الملف اللبناني، أقلّه في هذه المرحلة، واكتفت بحث اللبنانيين على انتخاب رئيس وتشكيل حكومة تلبّي طموحات الشعب اللبناني. وكان على اللبنانيين ان يقرأوا بتمعّن الرسالة الاميركية التي وجّهتها واشنطن مع بدايات الفراغ الرئاسي عبر مساعدة وزير الخارجية الأميركيّة لشؤون الشرق الأدنى باربارا ليف، التي حذّرت من أنّ عدم انتخاب رئيس للجمهورية سيؤدّي بلبنان إلى فراغ سياسي غير مسبوق، ما ينذر بانهيار الدولة مجتمعيًا".