لم ينجح رئيس الحكومة المستقيلة ​نجيب ميقاتي​ في تبرير مسألة زيادرة المبالغ المرصودة من قبل ​برنامج الاغذية العالمي​ الى اللبنانيين، بحيث اصبح 5.4 مليار دولار على 3 سنوات وتكون حصة اللبنانيين منه 50 في المئة بعد ان كانت 30 في المئة.

اراد ميقاتي ان يلقي الضوء على امر مهم حققه، وهو زيادرة النسبة المالية المخصصة للبنانيين، ولكنه في المقابل زرع الكثير من الشكوك والقلق حول مصير ​النازحين السوريين​ في لبنان، بعد ان كان رفع النبرة سابقاً من ان لبنان سيتعامل معهم وفق ما تمليه القوانين اللبنانية وبغض النظر عن المواقف الخارجية. غير انه تبيّن، للاسف، ان كل التوقعات التي قيلت في حينه من ان ميقاتي وغيره من المسؤولين انما يعلون الصوت فقط من دون القدرة على التنفيذ، اثبتت انها صحيحة.

وهذه التوقعات نفسها تغذي اليوم القلق من ان النازحين رسّخوا اقدامهم في لبنان، لا بل زادت معنوياتهم بحيث ازدادت في اليومين الماضيين اخبار الجرائم التي ترتكب بحق اللبنانيين على ايدي سوريين. صحيح انه لا يمكن لاحد ان يشمل الجميع في اي فعل يتم ارتكابه، فليس جميع النازحين مجرمون، ولكن في بلد يعاني من ازمات لم يعرفها ايّ بلد آخر، كيف يمكن ان تضمن احترام البعض منهم لهيبة القانون المفقودة حالياً؟ قد تكون زيادة نسبة الجرائم في الفترة الاخيرة على ايدي سوريين، رسالة مفادها انهم باقون ويجب الاعتياد على هذا الامر، خصوصاً بعد قرار زيادة المبالغ الماليّة من قبل برنامج الاغذية العالمي، وان كل الخطط والمشاريع التي وضعت وتلك التي ستوضع، لن تنجح وستبقى اعداد العائدين الى ​سوريا​ اقل من متواضعة، شاء من شاء وابى من ابى.

من المبكر الكلام عن "صفقة" جديدة في هذا المجال، ولكن من المؤكد ان الغيوم تتسكّع فوق هذا الملفّ وهي توحي بأن المسألة لا تسير على الطريق الصحيح، وحتى التطمين الصادر عن ميقاتي بأنّ المليارات الموعودة من برنامج الغذاء لا تعني "تثبيت النازحين لثلاث سنوات، وحينما يعودون يتوقّف البرنامج" لم يقنع احداً لاسباب عدة منها على سبيل المثال، انه سبق لميقاتي ان اكّد انّ الدولة لن تتراجع عن اعادتهم لان لبنان لم يعد قادراً على تحمل اعبائهم على الصعد كافة، فهل اضافة ملياري دولار كفيلة بحلّ الامور؟ الم يسمع رئيس الحكومة المستقيلة حاكم مصرف لبنان الذي تحدّث عن مليارات تم صرفها سابقاً من اجل استقرار الدولار ودعم بعض المواد؟ وهي مليارات اكثر بكثير من تلك التي سيقدّمها برنامج الغذاء و​صندوق النقد الدولي​ وكل الدول الصديقة والشقيقة... المبلغ الذي تكلّم عنه ميقاتي لا يرقى الى كونه حفنة من الدولارات قياساً الى ما تمّ صرفه من جهة، والى السكوت عن بقاء النازحين في لبنان ودمجهم في ​المجتمع اللبناني​، لانها بالفعل كارثة لا مثيل لها، وستشكّل بالنسبة الى لبنان نكبة اكبر من نكبة فلسطين بالنسبة الى العرب.

لماذا الخنوع في مسألة تهدّد هوية لبنان وبقائه؟ ومن اجل ماذا؟ هل ارضاء الخارج اهم من ارضاء الداخل؟ ما الهدف من ممارسة الانتحار البطيء؟ فليتم الاعلان اما عن انتحار شامل وسريع او عن قرار جريء يتمّ تنفيذه ايضاً بشكل سريع لا يتعلق بالامور السّياسية الكبيرة، بل بالامور الاساسيّة التي تعيد الحياة الى السكّة الصحيحة وتضمن لكل لبناني بداية التمّسك بأمل عيش حياة كريمة تؤمن له ابسط الحقوق المطلوبة. ولكن، وفق ما يبدو من طريقة التعاطي، فإنّ المنحى المتّبع هو الذي سيسود، ايّ الانتحار البطيء تحت انظار المجتمع الدولي الذي يكتفي بالمراقبة واطلاق تعابير التشجيع حيناً والتحسر احياناً...