غبطة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والسادة المطارنة، نحن في مرحلة شغور في المناصب العليا في الجمهورية اللبنانية وهذا أمر أصبح شائعا للأسف، ولكنه بات مرحليًا يتزايد بشكل مخيف وهذه علامة على عمق الأزمة التي نعانيها جميعًا في لبنان علمانيين وروحيين، وهذه جائحة خطيرة يُعاني منها النظام السياسي اللبناني... الأمر بالنسبة لكم وللسياسيين اللبنانيين والذين نصنِّفهم تابعين للجماعة السياسية لا يبدو صادمًا. القصر الجمهوري فرغ منذ الطائف من شاغله وبات مقام رئاسة الجمهورية فارغا من أي مضمون فعلي "والحبل على الجرّار". وها نحن أمام شغور مخيف في كل إدارات الدولة وبتنا كأننا نتواجد في خربة عمارة لا تأوي إلاّ المُشرّدين كالطيور الموسمية .

غبطة البطريرك الماروني والسادة المطارنة، نظام كرّس الطائفية والمذهبية من المؤسف أنكم تُطالبون بتطبيق حرفي لهذا النظام! وهل تداركتم ومستشاريكم معنى التطبيق الحرفي لهذا النظام؟! ولا سيَّما أنه طُبِّقَ إستنسابيًا، فكيف بالحري إنْ طُبِّق كما هو وارد في حينه... إنّ هذا النظام الذي تُطالبون بحمايته تحوّل إلى أداة لـ"زعران الحرب" أو ما تمّ التوافق على تسميته "أمراء الحرب" وهدفه إحكام القبضة على الدولة والإنتفاع من خيراتها من مختلف النواحي، السياسية، الإقتصادية، المالية والأمنية... من المؤسف أننا دخلنا مراحل فراغ لم تعطوها الأهمية اللازمة أكثر من حالة فراغ مررنا بها على مستوى رئاسة الجمهورية وعلى مستوى عدم وجود حكومات فاعلة وأصيلة كالحالة التي نمُّرْ بها، وكلها تُنذر بمزيد من الفوضى على كافة المستويات ونحن أمام وضع سياسي خطير تُديره حكومة تصريف أعمال هشّة، زاركم رئيسها أوائل الأسبوع الحالي متأبطًا إجتهادًا يرتكز على ما تم صياغته في "المجلس الدستوري" يُعطيه الحق في ممارسة تلك الصلاحيات التي كانتْ ممنوحة صُوَريًا لرئيس الجمهورية، إضافة إلى برلمان تشتكون منه في كل إطلالة لكم، منقسم على نفسه وغير منسجم في المواقف، عاجز عن الإتفاق على إنتخاب رئيس جديد للجمهورية ويفتقد للشرعية الشعبية، وغالبية نيابية لقيطة وعفوًا على هذا التوصيف.

غبطة البطريرك الماروني والسادة المطارنة، من المعيب أنْ نسمع على لسان الدبلوماسيين الذين نلتقي بهم هنا "إنّ اللبنانيين عاجزون عن حكم أنفسهم بأنفسهم، وهم ينقسمون في آرائهم ومشتّتين ومنصاعين للنفوذ الإيراني بعد النفوذ السوري الذي غطّته الولايات المتحدة الأميركية، لأنها عانتْ ما عانته من الزعامات اللبنانية..." أخجل من تكملة ما نسمعه هنا، كما أخجل ممّا ينقله رفاقي المناضلين من بيروت عمّا يسمعونه من السفراء الذين يزورونهم... نحن أمام مرحلة عجز في توليد منظومة سياسية تنقذ البلاد ومن المؤسف أنْ تتقاذفوا المسؤوليّة فيما بينكم وبين السياسيين، ومن المؤسف أنْ نسمع أنّ بكركي غير معنيّة بالعمل السياسي، بينما كل الموجودين في لبنان يُتاجرون بالعمل السياسي ويتدخلون في أدّق التفاصيل حتى في تعيين موظّف عادي في الدولة، وهؤلاء وصلت وقاحتهم إلى التطاول على أملاك الكنيسة وبعض الأراضي في الجمهورية اللبنانيّة والمؤسف أنّ الكنيسة لغاية اليوم عاجزة عن ضبط المخالفات بحقها، كما هي عاجزة عن إيقاف التعديات على الأملاك العامة والخاصة، وأكثر من ذلك إنصاعت الكنيسة لإحدى المقامات السياسية وأبعدت أسقفًا عن أبرشيته دونما وجه حق وعفوًا طفح الكيل...

غبطة البطريرك والسادة المطارنة، في مثل هذا الوقت تُعقد الخلوة السنوية لتقييم السنة الحالية والتي ستأتي ليتبيّن لي ولرفاقي المناضلين وجود إجماع وعلى إختلاف المذاهب أننا أمام مأزق سياسي خطير وكبير، والمؤسف أنّ الكنيسة المارونية المعنية الأولى بأمور الجمهورية اللبنانية لا تملك تصورًا واضحًا لنظام سياسي بديل عن القائم حاليًا، والذي يمكن أن يحظى بدعم محلي وإقليمي ودولي بإمكانه أنْ يُخرج الجمهورية من مأزقها، وهذا أمر مُستنكر ونشجبه علمًا أنّ البطريركية تملك أهم مركز في الشرق الأوسط على المستوى المسيحي عامة والماروني خاصة، ألا وهو"المركز الماروني للتوثيق والأبحاث"، وبعد أنْ إستعلمتُ عنه تبيّن لي أنه محدود الصلاحية يفتقر إلى العديد من المقومات وهذا أمر مُعيب بحق "الكُرسي البطريركي" وبحق الموارنة خاصةً والمسيحيين عمومًا... هل يُعقل مركز بهذا الحجم أن يكون مهمّشا على مستوى الدراسات والأشخاص، بينما هناك الكثير من المنتفعين في صرحكم الكريم يتنّعمون ويسرحون ويمرحون ويأمرون ويتوجهنون؟!.

غبطة البطريرك السادة المطارنة، أدّى الإنهيار السياسي، الأمني، الإقتصادي، المالي والإجتماعي إلى تقليص العمل السياسي في الجمهورية اللبنانية، وذلك الأمر يدفع شعبنا إلى اليأس، وحلّ الفقر بأغلبية اللبنانيين، وتتصاعد النقمة على السياسيين وعلى الكنيسة بوجه خاص، ويتزامن هذا الأمر مع هيمنة نظام إقليمي بواسطة وكلائه ممّا يتسبّب في الإخلال بالتوازن السياسي في البلاد، وكل ذلك يترافق مع تراجع المجتمعين العربي والدولي عن إلتزاماتهم تجاه لبنان.

غبطة البطريرك السادة المطارنة، نعم نحن بحاجة إلى العديد من الخطوات الإصلاحية المُلحّة وأفصل بعضها وعلى أمل أن نوفد ممثلينا لمناقشتها :

أولاً–في سبيل الخروج من حالة الهريان الحالية عليكم إتخاذ زمام المبادرة وعدم إعفاء صرحكم منها، كما يتوّجب الأمر صوغ خارطة طريق إنقاذيّة يضعها ويُشرف عليها إختصاصيّون لا الإستغلاليون على ما نلاحظه .

ثانيًا–عقد إجتماعات على مستوى السلك الخارجي العربي والدولي في صرحكم الكريم ليس لشرح وجهة نظركم بل لإعلام الحاضرين برفضكم للأمر الواقع ولإبراز خطتكم الإنقاذية .

ثالثًا–نعم إنْ بادرتم ومن دون لف ودوران بمقدور صرحكم الكريم التوصل إلى تسوية موقتة للحد من الأضرار الناجمة عن الفراغات المتأتية في الجمهورية اللبنانية .

رابعًا–مبادرتكم إنْ وافقتكم ستتيح للنظام الإنتقالي الذي يستوفي الشروط الميثاقية العمل على إعادة تكوين سلطة نموذجية للجمهورية التي تعاني الأمرّين من سياسيين فاشلين، و هذا الأمر إنْ بادرتم سيعكُس توازن القوى السياسية ويحد من الخلل السياسي في ميزان القوى .

غبطة البطريرك السادة المطارنة، إنّ الإستسلام لما هو قائم كأمر واقع سيؤدّي بنا إلى إثارة الشكوك حول شرعيّة وجود قادة زمنيين وروحيين في ممارسة مهامهم، وبالتالي سيتعمّق الشرخ والشلل والتفكُك، هل ستسمعون طلبنا وتتحننون علينا ولو بكلمة نعم أولا، نحن عمليًا وفعليًا بحاجة لنظام سياسي جديد هل تُبادرون وتضعون يدكم بيدنا أم ستظّلون على ما أنتم عليه؟!.