ينطلق العام 2023، كما كان متوقعاً، مع إستمرار حالة الإستعصاء على المستوى الداخلي، المرشحة إلى المزيد من التصعيد، في الأيام المقبلة، بسبب السجال الحكومي الذي كان قد عاد إلى الواجهة في الأيام الأخيرة من العام الماضي، الأمر الذي يدفع إلى طرح أكثر من علامة استفهام حول الأرضية التي من الممكن الإنطلاق منها بهدف الوصول إلى التسوية المنتظرة.

على المستوى الدولي، يستمر الرهان على اللقاء الذي من المفترض أن ترعاه ​باريس​، بالرغم من عدم وضوح الهدف منه، فالوصول إلى النتائج المرجوة لا يمكن أن يتم في حال لم تكن إيران حاضرة على طاولة المباحثات، بينما الإتفاق بين مجموعة من الدول على آلية تعامل مع الملف اللبناني، قد يقود إلى تعقيد الأزمة بدل حلها.

أما على المستوى المحلي، يبدو أن الجميع لا يزال متمسك بالدعوات إلى الحوار، لكن الأزمة تكمن بهدف كل فريق من هذا الحوار، حيث رهانات كل مجموعة على أن يقود إلى تبني وجهة نظرها من هذا الإستحقاق، خصوصاً لناحية الأسماء المطروحة، لا البحث الجدي في كيفية الخروج من الأزمة الراهنة، بالرغم من التسليم بمعادلات أن تداعيات إستمرار الواقع على ما هو عليه اليوم باتت خطيرة جداً.

إنطلاقاً من هذه الأوضاع، تشير أوساط سياسية متابعة، عبر "النشرة"، جاء طرح ​البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي​ الجديد، الذي يقوم على أساس أن إنتخاب رئيس الجمهورية لا يتم ببدعة الاتفاق المسبق عليه، بل بالاقتراع المقترن بالتشاور والحوار، يوماً بعد يوم، لا مرة كل أسبوع، في حين كان رئيس "التيار الوطني الحر" النائب ​جبران باسيل​ يعلن عن إقتراب إعلان التيار عن إسم مرشحه، الذي حكماً لن يكون رئيس تيار "المردة" النائب السابق ​سليمان فرنجية​ أو قائد الجيش ​العماد جوزاف عون​.

في قراءة هذه الأوساط، كل ما يطرح على بساط البحث، في المرحلة الراهنة، لن يقود إلى أي نتيجة تذكر، بسبب الأسس التي ينطلق منها كل فريق، خصوصاً أن الغالبية باتت تسلم، في ظل غياب الرغبات الجدية بالحوار، بمعادلة إنتظار ما قد يأتي من الخارج من طروحات في المرحلة المقبلة، في حين أن الإهتمامات الخارجية باتت في مكان مختلف عن الواقع اللبناني الداخلي، على إعتبار أن اللاعبين الدوليين والمؤثرين ينظرون إلى المسألة من منظار أوسع.

وتشير الأوساط نفسها إلى أن هؤلاء اللاعبين، كما هو حال القوى المحلية، لا يستعجلون الذهاب إلى التسوية، طالما أن تداعيات الشغور الرئاسي لم تصل إلى مرحلة الخطوط الحمراء، التي تقوم على أساس منع الصدام الأمني أو تهديد الإستقرار الذي تؤمنه الأجهزة الأمنية والعسكرية، وهو ما يتم التعبير عنه عبر الحرص الدائم على تأكيد دعم تلك الأجهزة، في مقابل دعوة القادة السياسيين إلى معالجة خلافاتهم بأنفسهم، بدل إنتظار الحلول الخارجية.

بناء على حالة الجمود هذه، ترى الأوساط السياسية المتابعة أن كسرها من الممكن أن يتم عبر مسارين: الأول هو داخلي، يتطلب إقتناع الأفرقاء المحليين بأن الواقع لم يعد يحتمل المزيد من التأجيل، الأمر الذي من الممكن أن يكون التدهور الخطير على مستوى الأوضاع الداخلية هو المبرر المنطقي له، أما الثاني فهو بروز مؤشرات على توافقات دولية وإقليمية من الممكن أن تنعكس على الملف المحلي، وهو ما قد يحتاج إلى المزيد من الوقت كي ينضج، بالرغم من وجود بعض التطورات التي تصب في هذا الإتجاه.

بين هذين المسارين، تشير الأوساط نفسها إلى إمكانية أن تقود مبررات المسار الأول، (التدهور الخطير)، إلى تعجيل نتائج المسار الثاني، أي أن يتم تمرير تسوية لبنانية تقوم على أساس عدم ترك الملف المحلي في مرحلة الإنتظار، لكنها تشدد على أن هذا المسار غير مضمون النتائج، نظراً إلى أن الأمور لا يمكن النظر إليها إنطلاقاً من معادلة ثابتة، أي أن التدهور الداخلي سيقود إلى تحرك القوى الخارجية المعنية بالملف اللبناني، وبالتالي من الأفضل عدم الدخول في مغامرة الرهانات غير المضمونة.

في المحصلة، تعتبر هذه الأوساط أن المسار الأفضل، الذي يمكن تصنيفه على أساس أنه الرابع، قد يكون الذهاب إلى تمهيد الأرضية المحلية لإستقبال إنعكاسات أي تطور على المستويين الإقليمي والدولي، ما يتطلب إقتناع الأفرقاء المحليين، بعد إعترافهم بعجزهم عن الوصول إلى الحلول، بأن المطلوب هو التهدئة التي تجنب البلاد المزيد من التدهور، بدل الإستمرار في معادلات السعي إلى كسر بعضهم البعض.