أظهرت نهاية الأسبوع المنصرم أن عوامل التصعيد الداخلي قابلة للإشتعال في أي لحظة، لا سيما أن هناك العديد من الملفات التي من الممكن تشكل مادة لذلك، لكن ما ينبغي التوقف عنده هو أن هذا الأمر يأتي في لحظة إقليمية ودولية بالغة الدقة، عنوانها الأساسي إنشغال غالبية القوى الخارجية، المؤثرة في الساحة ال​لبنان​ية، بملفات أكثر أهمية.

من حيث المبدأ، هناك قناعة لدى غالبية الأفرقاء المحليين أن أبواب الحل الداخلي مقفلة بشكل شبه تام، الأمر الذي يتطلب تدخلا خارجيا يقود إلى التسوية المنتظرة، وهو ما يراهن عليه هؤلاء الأفرقاء منذ أكثر من 3 سنوات، من دون أن تظهر أي بوادر لذلك، ما يدفعهم في كل مرة إلى الحديث عن محطات مفصلية جديدة، أساسها إستحقاقات إقليمية ودولية.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، الى وجود معطيات توحي وكأن بعض القوى المحلية لديها رغبة بالتصعيد، من دون معرفة الأسباب الكامنة وراء ذلك، وكأن هناك من يراهن على أن هذا التصعيد من الممكن أن ينضج حلولاً، بغض النظر عن الأثمان التي ستدفع، أو أنه من الممكن أن يقود إلى تحسين أوراق قوتها، قبل الوصول إلى لحظة التسوية.

من وجهة نظر هذه المصادر، هذه "المغامرات" قد لا تكون مضمونة النتائج، على إعتبار أن الذهاب إليها يفترض توفر حدّ أدنى من مناخات التسوية، الأمر الذي من المؤكد أنه غير موجود في المرحلة الراهنة، وبالتالي التداعيات قد تكون سلبية أكثر مما هو متوقع، على إعتبار أن الأوضاع قد تخرج عن السيطرة في أيّ لحظة، وهو ما يتطلب قراءة دقيقة لما يحصل على المستويين الإقليمي والدولي.

بناء على ما تقدم، ترى المصادر نفسها أن كل ما يحصل من تصعيد داخلي هو عبارة عن "جعجعة" لن تنتج "طحيناً"، إلا إذا كان هناك من يعتبر أن التصعيد المحلي من الممكن أن يقود إلى دفع القوى الخارجيّة المعنيّة إلى التدخل بشكل أكبر في الملف اللبناني، لا سيما أن هذه القوى تشدّد على أنّ الإستقرار المحلّي هو من الخطوط الحمراء التي لا يمكن المسّ بها، ما يدفعها إلى التشديد، في كل مناسبة، على دعم المؤسسات العسكرية والأمنية.

على هذا الصعيد، تلفت المصادر السياسية المتابعة إلى أن الواقعين الإقليمي والدولي في مكان آخر كلياً، فغالبية الدول الغربية تركز على تطورات الملف الروسي-الأوكراني، بإستثناء الجانب الفرنسي الذي يبدي إهتماماً بالواقع اللبناني لكنه لا يملك القدرة على فرض أي تسوية، نظراً إلى أن دوره محصور بالقدرة على رعاية تسوية بين اللاعبين المختلفين، إنطلاقاً من مصالحه الإقتصادية في لبنان بالدرجة الأولى.

وتشير هذه المصادر إلى أنه من الناحية العملية ليس هناك ما يدفع ​الولايات المتحدة​ إلى إستعجال التسوية في لبنان، طالما أن الأزمة لم تصل إلى المستوى الذي يمس ما تعتبره خطوطاً حمراء بالنسبة إليها، أما بالنسبة إلى ​السعودية​ فهي لا تزال الجانب الأكثر تشدداً، على مستوى المواصفات التي تطرحها، بالرغم من التقدم القائم على مستوى مفاوضاتها مع ​إيران​، حيث أن الأولوية بالنسبة إليها هي الملف اليمني.

في المحصلة، تعتبر المصادر نفسها أن القوى المحلية، في الوقت الراهن، إنتقلت من مرحلة طرح المواصفات الرئاسية إلى مرحلة التهديد بخطوات من نوع آخر في حال لم تتحقق مطالبها، الأمر الذي يوحي بأنها في وارد الذهاب بعيداً في المعركة، بالرغم من أن الجميع يدرك أن سقفها سينخفض عند بروز الإهتمام الخارجي الجدي القادر على إنتاج تسوية.