نقترب شيئاً فشيئاً من دخول العام الرابع للأزمة الإقتصاديّة التي جعلت اللبنانيين يترحّمون على زمن الحروب اللبنانية، بظل غياب الحلول ومساعي الحلول حتى، فكيف يُطلب الحلّ من "الدولة" التي أوصلتنا الى ما نحن فيه، فهل السارقون قد سرقوا ليُعيدوا ما سرقوه، ربما إن كانوا روبن هود، وما أبعدهم عنه.

صراعات سياسية حول هويّة لبنان، حول توجّهاته الإقتصاديّة، حول المناصب الرفيعة فيه، ومشاريعه الإعماريّة وحول نفاياته حتى، حول تاريخه الذي لم يُكتب في مناهج التدريس بسبب الخلافات الطاحنة، ومن يختلف على الماضي، كيف يتفق على المستقبل؟.

أعوام الأزمة تمرّ قاسية، نعدّ أيامها ولا نعيشها، أيام مريرة حملت الفقر والتعب، الأوبئة والمرض، طوابير انتظار الدور، لشراء خبز ودواء وبنزين، الصراعات المسلحة والشوارع المتصارعة، انفجار مدينة بأكملها في 4 آب هزّ الكيان ولم يُسقطه، ومزيد من الإنهيار، حتى بتنا نستصعب الإجابة على أكثر سؤال بديهي: "كيفنا"؟!.

نحن لسنا على ما يُرام، هذه المرة سنقول الحقيقة ولن نكتفي بإيماءة رأس مع ابتسامة خدّاعة، تخدع راسمها أولاً، قبل أن تخدع الآخرين، سنقول الواقع كما هو ولو لمرّة واحدة، وسأبدأ من نفسي، آسف، أنا لست على ما يُرام، أعيش في قلق وخوف، وربما كلمة "أعيش" غير واقعية، فنحن نتنفّس، ولو كان الهواء ملوّثاً ومليئاً بأمراض السرطان، لكننا نتنفس، إنما لسنا "أحياء".

نعيش، لكننا لسنا على قيد الحياة، وربما هنا أستذكر دوستويفسكي الذي يقول: "إنّ سرّ الوجود البشري لا يكمن فقط في البقاء على قيد الحياة، لكنه يقبع في العثور على شيء تعيش من أجله" ويقول: "أستطيع رؤية الشمس، لكن حتى وإن لم أراها، فأنا أعلم أنّها موجودة، وأعلم أنّها هناك... هذا هو معنى العيش". فهل نحن نعيش في هذه البؤرة المسمّاة زوراً "وطناً"؟!.

لأجل ماذا نعيش في لبنان، لأجل الأمل بمستقبل أفضل، لأجل أولادنا، حتى هذا الأمل الزائف حُرمنا منه، فمن منا غير مقتنع بأن "البلد، بعمره لن يصبح بلداً"، ونحن نعلم مشاكلنا ونعلم استحالة حلّها، فكيف تُحلّ ما دامت المشكلة بصنّاعي الحلول، والقصد هنا "نحن جميعاً"، نحن الشعب الذي "كما نكون يُوَلّى علينا"، نربي أطفالنا على النغمات الدينيّة، وننسى إشباعهم بروح المواطنة. ربما لا نعرف أصلاً معنى المواطنة.

أصبحت توّاقاً لهجرة ربما لن أطولها بسبب إسمي، أو ديني المكتوب على الهويّة اللبنانية. توّاق لهجرة لا أطمح من خلالها لجمع المال، بل لأجل أن أعيش، لكي تعيش عائلتي في مكان "يحترم" الإنسان، أن ترى ابنتي الصغيرة بأمّ عينها لماذا فضّلها الله، كبشر، عن باقي المخلوقات، وماذا عنى الله في قوله بسورة الإسراء بالقرآن الكريم: "ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا"، فكيف أقنعها بهذا ونحن نعيش في بيئة متروكة، مُتعبة، ترخص فيها الروح لأجل "صفّة سيارة"، ويُقتل فيها الناس بسبب غضب أحدهم أو فرحه في جنازة أو عرس.

لا أريد أن أنجو وحسب، أريد أن أعيش، كلنا هكذا، وكاذب من يقول عكس ذلك، فأين السبيل الى هذا الهدف، ونحن نعيش وسط بشر لا ينظرون الى أنفسهم كبشر خلقوا من طين، سواسية امام الله، ينتمون الى أديان متنوعة، لا تُفسد إنسانيتهم، بل يعتبرون انفسهم أدوات لتحقيق أهداف، أبعد ما تكون عن العيش، متى يقتنع هؤلاء أن خلافاتهم ما هي الا سلاح يستعمله الحاكمون بأمرهم للإمعان في سلطانهم، وملء جرارهم بالذهب، على حساب عمرنا جميعاً؟!.

أنا لست على ما يُرام، ولا أدري إن كنت سأصبح كذلك يوماً في هذه البقعة الجغرافيّة التي زارها الأنبياء والرسل، وما تعلّم أهلها شيئاً.