انفجرت الخلافات بشكل كبير في الجسم القضائي بعد العودة المفاجئة للمحقق العدلي طارق البيطار الى الساحة من جهّة، وعودة مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات عن "تنحية نفسه" عن قضية انفجار المرفأ واتخاذه قرارات ثوريّة بحق البيطار.

هذه الخلافات تزامنت مع تحرّكات "انفتاحيّة" على الساحة السّياسية كانت اولى ثمارها تراجع حدّة السجالات والكلام عالي السقف بين مختلف الاطراف، اضافة الى التحرّكات والاتّصالات السريعة التي حصلت في الايام الماضية. كل هذه الامور وضعت اللبنانيين امام مخاوف وقلق من امكان تدهور الاوضاع الى ما كان يتفاداه الجميع حتى الساعة، ايّ الفوضى الشاملة، خصوصاً وان سعر صرف الدولار مقابل الليرة تخطى كل خطوط الدفاع الموضوعة لكبح جماحه، واطلق العنان لامكاناته غير المحدودة في تحقير الليرة واذلالها.

ولكن، على الرغم من هذه الرؤية السلبية –ولو انها منطقية- تطرح مصادر مطّلعة رؤية اخرى وفق مفهومها لسير الامور ومواكبتها للتحركات الداخلية والخارجية، وترى ان ما يحصل انما هو بداية وضع الحلّ على السكّة للسير به في وقت لم يعد ببعيد. وتستند المصادر الى وقائع عديدة منها:

-الملف القضائي: لا تبدو المصادر مقتنعة بأن قرار عودة البيطار الى ملف انفجار مرفأ بيروت، وبالاسلوب الذي اتبعه، هو "ابن ساعته". وسألت عن السبب الذي جعله يستذكر كل هذه المعطيات والصلاحيات بعد اكثر من سنة على ابتعاده عن الملف وامتناعه عن الكلام واتخاذ القرارات، اضافة الى الطريقة القاسية التي عاد بها و"اطاحته" بالجميع وعلى اعلى المستويات، وكأنّه يريد الا ينجح في مهمّته لعلمه انّ مثل هذه القرارات، حتى ولو استندت الى معطيات ملموسة، لا يمكن لها ان تنجح بهذا الشكل في لبنان. اضافة الى ذلك، فإن السؤال يكمن ايضاً حول "استفاقة" القاضي عويدات واصراره على استعادة صلاحياته بهذا الشكل، واطلاق سراح جميع الموقوفين في الملفّ، حتى ولو كان على حقّ، بما يوحي وانّ الامور عادت قضائياً الى نقطة الصفر في هذا الملف. وتتابع المصادر ان ما حصل يوحي وكأنّ "القطبة المخفيّة" في الموضوع هي الوصول الى حلّ، لن يرضي الجميع بطبيعة الحال، ولكنه يخرج المسألة من حال المراوحة الذي طال امده، ويؤمّن مخرجاً لائقاً للبيطار الذي يحفظ ماء الوجه ويظهر وكأنه "مكبّل اليدين" ليحظى بالتالي بدعم شعبي يحفظ له مكانته ويمنع عنه بالتالي ايّ عقوبات قاسية بحقّه.

كما سألت المصادر عن سبب السكوت الخارجي عن "الفوضى القضائيّة" الحاصلة في لبنان، في ملفّ تجند العالم كله للاحاطة بتداعياته، واستنفر الجميع لايصاله الى شاطئ الامان القضائي. وفسّرت المصادر نفسها هذا السكوت على انه "غض نظر" عن كل ما يسود المشهد القضائي حالياً، لانه يعود بالفائدة على الدول اما من ناحية السيناريو الموضوع لتحريك الركود اللبناني، او الاستفادة منه على غرار ما حصل من خلال "مسرحية" خروج رئيس مصلحة الأمن والسلامة في مرفأ بيروت محمد العوف من التوقيف الى الطائرة التي كانت تنتظره "صدفة" لنقله الى الولايات المتحدة التي يحمل جنسيتها ايضاً، قبل التوقيع او تبليغ الامن العام عن قرار منع السفر، وهو سبب لم تقتنع به المصادر التي اعادت وصفه بأنه "مسرحيّة".

-الملف السياسي: لا يمكن فصل الحركة السياسية الناشطة عن الفوضى القضائيّة التي حصلت، والتطورات الدراميّة على الصعد الاقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة، لذلك ربطت المصادر هذه الحركة بالمساعي الدوليّة ومنها الاجتماع المرتقب بين الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر. واعتبرت المصادر ان الحركة الحاصلة على الصعيد الداخلي، من شأنها اعطاء زخم اكبر لهذا الاجتماع، لانّه سيساهم في تأكيد اهمية سرعة الخطوات في اتجاه لبنان قبل فوات الاوان، وقبل الوصول الى مرحلة ما لا تحمد عقباها. ووفق المصادر ايضاً، فإن ما يحصل هو بمثابة الفرصة الاخيرة قبل الهزّة الامنيّة التي تعتبر "الخرطوشة الاخيرة" لحلّ الازمة والتي لا مفرّ منها اذا بقيت الامور على حالها، لانّ فيها الحلّ السحري الذي "يفرمل" حماس وطموح الجميع. وتلفت المصادر الى انّ الابتعاد عن الهزّة الامنية، يُبعد حكماً اكثر فأكثر المسافة بين قائد الجيش العماد جوزاف عون وقصر بعبدا، ومن هنا يمكن فهم الحرارة التي تظهر على نشاط رئيس تيار المردة سليمان فرنجيّة والحديث عنه وعن قربه من الافرقاء (ما عدا رئيس التيار الوطني الحر).

هذه القراءة التي قدّمتها المصادر المطّلعة، والتي تحمل بعض الايجابيّة وسط الاجواء القاتمة التي تمّ ادخال البلد فيها، على امل ان تكون بداية الحلّ المرجو.