بات لبنانكم بلا جذور يتقلّب معاركاً الزوال في مستنقعات التاريخ ؟

بهتت أمامكم صور السيادة والوطنية والعظمة والرئاسات والمعالي والسعادات في لبنانكم تباعاً، وتحتلّ قضايا الرواتب وأجور الناس والمتقاعدين و"البهدلة" اليومية والبطالة وعدم المساواة والأزمات المعيشية وأقساط المدارس والجامعات، والجوع والفقر عبر الطوابير المتوسّلة حتى الرغيف كوارث غير مسبوقة وكونيّة وأنتم تُلقون المسؤوليات على مجموعة حكّامٍ ومسؤولين ومؤسّسات فاسدة منتفخة غير موجودة....وتنتظرون. وتنتظرون...وماذا بعد؟

تصوروا مستقبلكم ومستقبل لبنانكم السياسي ينتظر اجتماع خمسة موظفين من وزارات الخارجية يمثلون خمسة دول يجتمعون في باريس ليفتحوا لكم الطرق التي طمرها الشوك والعشب والقاذورات ومكبات القمامة...يا للعيب!!! لا تنتظروا سوى المزيد من القهر والتدمير والإحتقار.

لبنان ما زال بل وكأنه أدمن مسؤولوه تسوّل جذور التغيير المهترئة أبداً من خارج لبنان.

إسمعوا يا أجيال لبنان.

منذ أزمة اليونان الإقتصادية المالية مع نهاية ال2009، مروراً بقيام حركة الفقراء في أيلول 2011 باحتلال "بارك زيكوتي" في نيويورك و"الوول ستريت" ضد جشع 1% من الأثرياء، طارت شرارات الرفض وانتشرت نحو نيجيريا وإيسلندا وفانكوفر وملبورن وبوسطن واستمرّ إنفراط الأزمات الإجتماعية أمام الشابات والشباب الخارجين من جذورهم في فرنسا واسبانيا وبلجيكا والبرتغال وسلوفانيا وإيرلندا وليتوانيا والعراق وهونغ كونغ والسودان وإيران والهند وكولومبيا والإكوادور وفنزويلاّ وبوليفيا وتشيلي وهاييتي و...أسألكم:

أين لبنان؟ أين موقعكم من هذا اللبنان البليد؟

أسألكم بالحبر العالي الصوت عن "فوبيا" "الجحيم" الملتصق المستبدّ بألسنة السياسيين الغاطسين في مستنقعات الأحقاد وحولهم جوقات المصفقين والكتّاب والإعلاميات والإعلاميين المغالين والمجاهرين بزوال لبنان بل شطبه عن الخرائط. يا للعار!

أصرخ بأعلى هدير أمواج بحور الحبر الرحب والمحيطات المتحركة الدائمة التغيير: لا الحرب قطعاً : كفى كفى.كفى. نعم للتغيير. التغيير هو المقدس.

أين أنتم يا شباب لبنان؟؟؟؟؟

ماذا يعني اعتناقكم وتقديسكم لهذا الجحيم سوى المشاركة بتدمير وطنكم المُهان المندثر والشعوب الفقيرة المتجرجرة في بقايا مشتلٍ طافح بالحدّة والكراهية والمقت والقرف.

أنزلوا هذا الجحيم عن ألسنتكم و"ليحلّوا عن سمانا"!!! أنتم أناس تتباهون بالجذور لكنكم تبدون وكأنكم بلا جذور...

في الجواب عن أسئلتي هذه، أشير عليكم بالمثل الإغريقي القديم القائل:

"كلّما أضعتم جذوركم فإنّكم تنتهون بفقدان أرجلكم لأنّها ستتبخّر في الفضاء"، وهنا أقفز فلسفيّاً فوق هذا المثل الذي لم يعّد يُغري شباب الدنيا المقيمين في الفضاء ولو صار لبنانكم فريسةً متعثّرة لكنها تبدو لي أكثر إغراءً وسخفاً وفراغاً بعدما التمعت ثروات الغاز والبترول الهائلة تحت قدمي وطنكم المشلولتين، لكنّ الصعب ونائب الصعب وأبو الصعب وأمه وجده قابض على الملفّ تحت إبطه. وما عليكم إذن سوى الإنتظار حتّى ماذا؟

أعبر من هنا مذكّراً بشعار "لبنان أوّلاً" الذي رفعه المسلمون أخيراً ليطمئنّوا المسيحيين الموارنة تحديداً دون تخلّيهم عن "طابو" لبناني ذي وجهٍ فرنسي بامتلاك صلاحيات الجمهورية اللبنانية حتّى لدى الإحتفال بمئوية إعلان دولة لبنان الكبير الذي شوّهته المظاهرات والحرائق وتفجير المرفأ وكوارث السقوط الإقتصادي والمصرفي ملقيةً ثقاب التغيير الأوّل في 17/9/2019 الذي خبا تاركاً الإحباط العام بحثاً عن جذور لبنان بين الأرض والفضاء وبين الشرق والغرب المتداخلين.

يا شباب لبنان. لقد قتلوا لبنانكم.

أين أنتم؟؟؟؟

لم يكن لبنان ضامراً في المحيط حتى ينكمش مرضيّاً خلف الشعار، لكنه كان يحاول إعادة رسم حدوده الرخوة بين داخل يتمزق رئاسيّاً وحكوميّاً وسياسيّاً وطوائفيّاً ترتيباً لصلاحياتٍ متشابكة وخارج يتعرّق مشغولاً بالحروب العالمية الوسخة بين أوكرانيا وروسيا والمشغلة لمصانع السلاح والموت.

الغريب أنّ بعض حكّام لبنان الشباب أحفاد وأبناء بناة لبنان بنظرهم فقط، بقوا يتماهون بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عندما قال: "أميركا أوّلاً". لم يكن ليقلّدكم، بالطبع، رئيس الدولة الكبرى، إلاّ أن أوهامهم ورمت وغالوا في الترويج لها كأنّ التاريخ القديم منقوش أبداً فوق جبهة وطنهم وهم مستمرّون بإدارة بقعةٍ كأن لا مواطنين فيها، وعيونهم وآذانهم مفتوحة ببلاهةٍ على الخارج أيّ خارج للإستعطاء حتّى ولو كان هذا الخارج شارلمان أبو اللحية الزاهرة وأب أوروبا الغربيّة الذي أعاد بناء الإمبراطورية الرومانية بمساعدة بابا رومية في القرن الرابع.

لا يعني هذا الماضي المستورد كثيراً، ولا تعني المراتب الأولى كثيراً لشابات وشباب فرنسا والعالم ، لا في كتب التاريخ والذاكرات الطريّة على مقاعد المدارس وامتحانات أواخر السنوات الدراسيّة. أكاد أجزم بالتجربة ، أنّها تواريخ تثير الخجل إن لم نقل الإحتقار لدى الشباب. لنتصوّر أنّ أستاذاً جامعيّاً لبنانيّاً يحمل الجنسية الفرنسية مثلاً، تشاجر مع زملاء له فرنسيين في ال2017 إذ راح يُغالي مسايراً وممجداً نابليون بونابرت ظنّاً منه أنّ فرنسا أو الأم الحنون للبنان ما زالت تخرّ أمام تماثيل القائد.

لقد تغيّرت عقليات الأجيال الجديدة ونظراتهم ومفاهيمهم المتقدّمة في الغرب، وبهُت وهج التاريخ واصفرّ بالنسبة إليهم إذ ما عادوا يدخلونه من تماثيله أو أبوابه الذهبية ومتاحفه العسكرية وصور القادة العسكريين والحكّام المتكدّسة في متاحف العواصم ليرتادها السوّاح منبهرين، بينما يستعرضها الشباب المُعولم بالتأفّف والوشوشات الساخرة التحقيرية. ينسى الشباب بسرعةٍ ما يسمعونه في متاحف"البطولة"، لأنّ ثقافات معاصرة واسعة تجذبهم نحو المعرفة والثقافة خارج الأبّهة والعظمة والتشاوف لاكتشاف الآخر عبر نوافذ التلاقح والإنحذاب لثقافات الشعوب البعيدة وأنماط عيشهم وتواريخهم وطقوسهم ومشاكلهم في الإنسانية الكبرى.