سوريا في خضم الزلزال المدمر، الرجاء للسورين وسوريا لكم السلام. نرجو الرحمة لكل ضحايا الزلزال في تركيا وسوريا والمصابين الشفاء العاجل وللمفقودين الرجوع الى أهلهم سالمين.

هبّت دول أوروبا مجتمعة خلف الاندفاع الأمريكي لمساعدة أوكرانيا، اثر الهجوم الروسي منذ سنه تقريبا، ولا يزال الدعم العسكري والاقتصادي والمالي جاريا بوتيرة متصاعدة، وتقدر المساعدات العينية والمباشرة التي قدمت الى أوكرانيا بما يقارب مائة مليار دولار. وتبرر الحكومات الغربية الاندفاعة انها دفاعا عن الحرية وعن موقع أوروبي اطلسي متقدم، جرى اجتياز حدوده البريه من قبل القوات الروسية الغازية.

ان هذا الموقف الأوروبي بالذات ودون الدخول في صحته من عدمه، هو محرج جدا للغرب، امام الأداء الخجول الغربي في اسعاف ازمة انسانية حلت بشعب تركيا وسوريا، من جراء الزلزال المدمر. الغرب اليوم محرج في ضميره الجماعي، في ضعف استجابته الإنسانية بالمقارنة مع ضخامة مساعدته لأوكرانيا.

ان مأساة تركيا وسوريا تذكرنا ان العالم في حالة انقسام عمودي بين الشرق والغرب مهما كانت الاتجاهات السياسية، فتركيا في الشرق وكذألك سوريا بالطبع.

يشرح السفير الفرنسي ميشال ريمبو الانقسام العالمي، في ندوه نظمتها اكاديمية باربيس للجيوبولوكيك، ويدعو وزير الدفاع السابق الفرنسي بيار جوكس الى إعادة فتح العلاقات الفرنسية السورية، وعدم الشروع والتوغل في خلط الانقسام العالمي العمودي والعلاقات الفرنسية السورية. فحركة المساعدات الغربية خجولة جدا ولا تقارن بغزارة المساعدات الأوكرانية، علما ان تركيا عضو فاعل في الحلف الأطلسي والمأساة التركية من اعظم المأسي في تاريخ الزلازل في عدد الضحايا والدمار، كذلك في الشمال السوري من لواء إسكندريون حتى اللاذقية وحمص وحلب.

وافق البنك الدولي البارحة على إعطاء تركيا البارحة تسهيلات مالية، ووافقت الولايات المتحدة ان ترفع عقوبات قانون قيصر على سوريا لمدة 6 شهور، حيث بادرت إيطاليا بأرسال مساعدات عبر مطار بيروت، وكذلك أرسلت المملكة العربية السعودية مساعدات فورية الى سوريا وأيضا جمهورية مصر والامارات وأكثرية الدول العربية، علما ان سياسة الدول العربية الخارجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ومصر لم تنجرف في تيار الانقسام العمودي بين الغرب والشرق، ولم تنحاز إلى الغرب في التموضع في المعسكر الغربي.

وعدم التموضع هذا بالذات، شكل مع الصين والهند و باكستان والبرازيل ودول أخرى كالأرجنتين وجميع أمريكا الجنوبية موقفا مميزا، وإمكانية إرساء قواعد بناء قطب عالمي جديد محايد ذات ثقل سياسي وعسكري واقتصادي كبير، بإمكانه مجاراة التغييرات العالمية الجارفة في جدلية عمليات المد والجز التي تمارسها القوى الفاعلة العالمية في السيطرة والانكفاء في النفوذ.

انني أقول وبكل ثقة وبعد الترحم على جميع الضحايا في سوريا الحبيبة، إن الظروف الصعبة الحالية هي مقدمة وخير سبيل لإعادة اللحمة العربية بين جميع الأقطار العربية وبالطبع وسوريا، وإعادة النشاط الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي، وكذلك إعادة سوريا الى حضن الجامعة العربية.

لدينا فرصة حقيقية اليوم لإعادة تشكيل لوحدة الدول العربية، بعيدا عن الانقسامات، وان تكون هذه الكتلة العربية الموحدة ركنا أساسيا لكتلة عالمية وازنة، تنتهج سياسة غير منحازة بين الصراع الضاري بين الشرق والغرب، وتحد من الارتدادية الزلزالية السياسية والعسكرية الجارية.