سألت رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية كلودين عون خلال القائها كلمة لبنان افتراضياً في المؤتمر التاسع لمنظمة المرأة العربية المنعقد على مدار يومين برئاسة دولة ليبيا في دورتها الحالية 2021 - 2023، بعنوان "النساء والفتيات في المنطقة العربية تحديات وآفاق واعدة"، "كيف نبني مجتمعاً قائماً على العدالة والحقوق، يتعاون فيه النساء والرجال ويتيح لنا التطلع إلى مستقبل مشرق؟ سؤال نطرحه على أنفسنا كل يوم. أمام الصعوبات المتنوعة والمتراكمة التي تعيشها المجتمعات العربية، تجد الحركات النسائية الناشطة نفسها أمام تساؤلات صعبة. من أين نبدأ لتعزيز قدرات النساء لقيادة مجتمعاتهن لتمكينهنّ صحياً وعلمياً، لحمايتهن من الفقر، من الجهل، ومن العنف، لإنقاذهنّ من الدونية التي تضعهنّ فيها ثقافة ضعيفة وقوانين ظالمة. تزداد صعوبة عملية العثور على الحلول في ظل الأزمات التي تعيشها مجتمعاتنا على صعيد أمنها، وعلى صعيد الحوكمة في أنظمتها، كما على صعيد عملها بقواعد التنمية المستدامة، ومواجهتها للتحديات المعاصرة الناتجة عن الثورة الرقمية، كما عن التغيرات المناخية. في لبنان نتشارك مع محيطنا العربي في مواجهة هذه الصعوبات، ونحن في خضم أزمة إقتصادية وإجتماعية وسياسية متعددة الأوجه والأبعاد. وقد حتم علينا الطابع الشمولي للأزمة التي نعيشها، أن نتناول موضوع معالجة قضايا المرأة بمقاربته من أوجهه المتعددة. لذا تركز عملنا على تنمية القدرات الذاتية للنساء من جهة، وعلى تطوير المعطيات الثقافية والتشريعية والمؤسساتية والإنمائية المؤثرة على أوضاعهنّ من جهة أخرى".

أضافت: "أود هنا أن أنقل إليكم البعض من الدروس التي استخلصناها من تجربة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، في عملها على تعزيز أوضاع المرأة في المجتمع. لقد اتّضحت لنا بداية، أهمية مقاربة قضايا المرأة والتمييز الذي يتناولها سلبياً، في التشريعات وفي الممارسات، بوصفها قضايا اجتماعية تعني الرجال كما النساء، وليس فقط بوصفها قضايا تهم النساء. كذلك تثبتت لدينا، أهمية إبراز البيانات الإحصائية وقياس المؤشرات الدالة على الترابط القائم بين تكافؤ الفرص المتاحة للنساء والرجال والإنماء المجتمعي، في مساعي كسب تأييد أصحاب القرار، لاعتماد سياسات عامة رشيدة داعمة لتمكين النساء ولتحقيق استقلاليتهن الإقتصادية. فالإستقلالية الإقتصادية للمرأة هي من الشروط المعززة لثقتها بنفسها، وهي تتيح لها اتخاذ المبادرات لتنمية قدراتها الشخصية الذاتية وتنمية قدرات أسرتها. وبغية تمكين المرأة من اكتساب هذه الإستقلالية لا يكفي تأهيلها علمياً. تدل على ذلك المقارنة القائمة، في لبنان كما في بقية المجتمعات العربية، والمتمثلة في ارتفاع نسب التحصيل العلمي لدى النساء وانخفاض نسب مشاركتهن في القوى العاملة، كما في المراكز القيادية في مؤسسات القطاعين العام والخاص".

وتابعت عون: "بينت الدراسات التحليلية إلى أن المرأة بحاجة، بغية تثمير مؤهلاتها العلمية في العمل، إلى المساندة في قيامها بأدوار الرعاية المنزلية والأسرية التي لا تزال تتحمل أعباءها بمفردها. من هنا اتضحت لنا أهمية أن يكون الرجل مسؤولاً إلى جانب المرأة في تحمل هذه الأعباء، كما أن تكون مسؤولية رعاية الأولاد والمسنين متشاركة بينهما. فبمثل هذا التشارك في القيام بالأدوار الرعائية، نبني مجتمعا أكثر توازناً يتيح للرجل أيضاً أن يشارك في تقديم العناية لأحبائه من المسنين، وفي مواكبة نمو شخصية أولاده. كما نعمل حالياً في الهيئة الوطنية على تطوير المرصد اللبناني للمساواة بين الجنسين الذي سوف يتيح قياس مؤشرات المساواة في شتى المجالات ومنها الإستقلالية الإقتصادية للمرأة وتطور ظاهرة العنف ضد النساء والفتيات ومشاركة النساء في الحياة السياسية. وسوف تساعد الخلاصات التي سوف ينتجها المرصد المشرعين على إجراء الإصلاحات، بغية تنزيه القوانين من الأحكام المميزة ضد النساء. ذلك، علما أن من أبرز القوانين التي تعمل الهيئة على إصلاحها حاليا، قانون الجنسية الذي يحرم اللبنانية من نقل جنسيتها إلى أولادها، وقانوني الإنتخابات البرلمانية والبلدية بغية اعتماد كوتا نسائية مرحلية بتخصيص حد أدنى من عدد المقاعد النسائية. كما تعمل الهيئة على إجراء تعديلات في قانون العمل بغية استحداث إجازة عائلية تستفيد منها الوالدة كما الوالد، وإجازة أبوية لمن يرزق بمولود جديد بغية تشجيع الأباء على المشاركة في رعاية صغار الأولاد".

واردفت: "على صعيد آخر، وبغية إنصاف المرأة في حقوقها الزوجية والعائلية، تتعاون الهيئة مع منظمات المجتمع المدني في إعداد قانون مدني للأحوال الشخصية. كما نعمل على تطوير شروط الوصول إلى العدالة بالنسبة إلى الناجيات من العنف الأسري وعلى تطوير الخدمات المتاحة لهنّ. وفي إطار مكافحة العنف ضد النساء والفتيات تتعاون الهيئة بشكل وثيق مع القوى الأمنية المختصة، خاصة في مكافحة جرائم التحرش الجنسي والإبتزاز الإلكتروني، التي تقع معظم ضحاياها النساء والفتيات. ومن الإستنتاجات الأساسية التي توصلنا إليها أيضاً، أودّ الإشارة إلى مركزية التعاون بين الآليات الوطنية للمرأة ووزارة التربية والتعليم العالي. والهدف من هذا التعاون لا يكمن فقط في توفير التأهيل العلمي للفتيات في المجالات كافة، بل ينطوي على الأبعاد الفكرية والأخلاقية للتربية لينشأ الشباب والشابات على قيم احترام الذات والآخر، والمساواة بين الجنسين. فعلى صفوف الدراسة تنمو الشخصيات وتتكون الصور التي نحفظها طوال حياتنا عن الأدوار الإجتماعية للنساء والرجال. من هنا الأهمية التي نعيرها في الهيئة الوطنية في لبنان، للتعاون مع وزارة التربية والتعليم العالي والمركز التربوي للبحوث والإنماء، في تضمين البرامج التربوية، التنشئة على قيم المساواة وعلى الإستقلالية الفكرية. كذلك، في توعية الطلاب والطالبات على القضايا الإجتماعية ومنها القضايا المرتبطة بمكافحة العنف ضدّ النساء والفتيات وحمايتهن من التحرش الجنسي والتزويج المبكر وصون حقوقهن الإنسانية والعائلية والإقتصادية والسياسية".

وختمت: "فأجيالنا الشابة هي حاملة آمالنا في أن يتحقق لنا في بلداننا العربية المستقبل المشرق الذي نتطلع إليه. أشكر دولة ليبيا ورئيسة المجلس الأعلى لمنظمة المرأة العربية الوزيرة الدكتورة حورية خليفة الطرمال على تنظيم هذا المؤتمر، وأتمنى للمنظمة ولمديرتها الدكتورة فادية كيوان ولفريق عملها كل النجاح في المبادرات القيمة التي تطلقها لتوسيع آفاق العلم والعمل المتاحة لشبابنا وشاباتنا، حاملي وحاملات آمالنا في مستقبل آمن ومزدهر للنساء والرجال في عالمنا العربي".