لم يكن مفاجئاً أن يمضي الحوار السعودي-الإيراني خطوات إلى الأمام. هو أعاد العلاقات بين بلدين في الإقليم الى طبيعتها، بعد حصول توترات متدرّجة، كانت حطّت في كل من سوريا والعراق ولبنان بشكل اساسي، وإشتدّت في حرب اليمن. لكن الايرانيين والسعوديين وجدوا أنفسهم في حتميّة الوفاق، ووضع كلّ الخلافات في إطار النقاش الذي رتّبه اولاً: العراق وسلطنة عُمان، قبل ان تحل الصين لرعاية حوار مُنتج ودسم. كانت الامارات العربية المتحدة هي من اوائل الدول الإقليمية التي شجّعتهما على حلّ خلافاتهما، لكن مطبّات المنطقة أبطأت مسار المشارفة على الحل.

كانت طهران تجيب السعوديين دوماً رداً على طلباتهم بإنهاء حرب اليمن، بأن حلّ الازمة اليمنية ليس في طهران، بل في اليمن، لكن الرياض كانت تطالب الايرانيين وقف مدّ "الحوثيين" بالاسلحة والمال، فهل يتبدّل الجواب الايراني هذه المرّة؟ كانت الجمهورية الايرانية ترى ان واجبها دعم عدد من الحركات الاسلامية تحديداً، ومنها "انصار الله"، بينما كان اعداء وخصوم الايرانيين يرون تلك الحركة فصيل ينفّذ أجندة طهران. ومن هنا فإن النقاش الايراني-السعودي سيساهم في إيجاد حل لقضية اليمن عاجلاً، لا آجلاً. لم يعد بمقدور السعوديين انتظار مزيد من النزف المالي والعسكري في تلك الساحة، ولا يستطيع الايرانيون تحمّل اعباء اضافية في هذه الساحة أيضاً. لذا، جاء الترحيب اليمني ليسبق غيره بعودة العلاقات الايرانية-السعودية الى مسارها الطبيعي.

يحاول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وضع بلاده في مصاف الدول المتقدمة بكل المجالات، كي تكون رائدة في الاقتصاد والاستثمار العالمي، وهو ينجح في ترجمة خطته، لكن ازمة اليمن تعيق استقرار الاقليم، وتضع عقبات امام الاندفاعة السعودية التي تحتاج اولاً الى استقرار المحيط. وهو ما يدفع بإتجاه ترتيب الساحات الاقليمية، وخصوصاً اليمن.

كما جاءت أزمة إيران الداخلية تفرض على طهران التفرّغ لمعالجة مشاكلها الداخلية اولاً، والمساهمة في ضبط الساحات الاقليمية، وتجفيف التوتر وازالة المعوقات امام عودة علاقات طهران مع دول الجوار. خصوصاً ان الايرانيين يتجهون الى تحقيق انجازات في الملف النووي.

تأتي بشكل طبيعي، ازمات الدول: سوريا والعراق ولبنان في طليعة جدول المباحثات السعودية-الايرانية. واذا كانت سوريا لا تحتاج الى نقاش طويل وسط استعداد الرياض ودمشق لترتيب علاقاتهما، بعد انفتاح الامارات ومصر والاردن وغيرهم على سوريا التي تستعيد مجدها العربي، فإنّ العراق بحاجة الى معالجات معمّقة تنتشله من حالة الارباك السياسي، بينما لا يحتاج لبنان الى حوار عميق، بإعتبار ان مشاكله السياسية قابلة للعلاج الفوري، وهو يحتاج لرعاية واهتمام، وليس الى فرض اتفاقيات جديدة، كما كان جرى في الدوحة القطرية منذ ١٥ سنة. وهنا يُنتظر ان يبرز دور رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي يُعتبر مقرّباً تاريخياً من الدولتين: لم ينخرط في اي مواجهة لا سياسية ولا اعلامية، لا ضد المملكة العربية السعودية ولا ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية، بل كان خطابه منحازاً دوماً لحوار اقليمي، يعتبره مدخلاً طبيعياً لكل ازمات الاقليم، وآخر دعواته في هذا المجال كانت خلال حفل افتتاح السفارة الايرانية منذ اسابيع في بيروت.

لذا، يُمكن ان يشكّل تمني الدولتين وغيرهما، على برّي العودة لرعاية حوار داخلي لبناني، سبق وكان أعلن عن مشروعه، لكن تمّ رفضه في الاشهر القليلة الماضية. غير أنّ القوى الداخلية ستسارع لتلبية دعوته هذه المرّة، تحت طائلة ان الرفض يضع صاحبه تلقائياً، ومن دون قرار، على هامش الحياة السياسية، ويُخرجه من مساحة الفاعلية في القرار.

تتعدّد تأثيرات التقارب السعودي-الايراني، خصوصاً ان الدول الاقليمية باشرت في اجراء التسويات: تركيا-سوريا، ودول الخليج-تركيا. لا يعني ذلك حل الازمات دفعة واحدة، او بكبسة زر. لكن الحوار يفتح المسار امام الايجابيات المرتقبة.