حلت الذكرى السنوية لـ14 آذار حاملة معها حسرة كبيرة، بسبب الخلافات التي عصفت بأعضائها على مرّ السنوات الماضية وادت الى اضمحلالها بعد تشتت اطرافها. واليوم، تبدو هذه القوى اضعف من اي وقت مضى، على الرغم من ان العوامل المحلية كانت تعطي الامل باعادة بعض الروح الى هذه الذكرى، لان ​قوى 8 آذار​ لم تكن افضل حالاً، وفقدت الكثير من قوتها على الساحة المحلية بفعل الازمات المتلاحقة الطويلة الامد التي عصفت (ولا تزال) بلبنان. غير انه يحلو للبعض ان يروّج ويسوّق بأن ​قوى 14 آذار​ قد عادت بقوة، وانها ستتحكم بمستقبل لبنان، واول الغيث سيكون انتخاب رئيس جمهورية مؤيدا لها ولافكارها.

هذه الاقاويل سرعان ما تلاشت بفعل الواقع، وقد اتى الاتفاق السعودي-ال​ايران​ي ليقضي كلياً عليها ويمنع حتى التفكير بها، لانه اذا كان صحيحاً ان قوى 8 آذار لن تستطيع "فرض" مرشّحها بالقوة، الا انه صحيح ايضاً انه لا يمكن لاحد ان يفرض رئيساً على الطرف الآخر، وان الامور ذاهبة نحو التسوية. هذا يعني انه اذا لم يكن سليمان فرنجيّة رئيساً، فلن يكون بديله حاضراً الا بعد موافقة القوى التي كانت منضوية تحت اسم 8 آذار عليه، وبالتالي لم يعد من الممكن الحديث عن رئيس يعارض توجّهات ورؤية ​حزب الله​ ويكون سدّاً امامه خلال السنوات الست المقبلة، ويعمل على فرض امور لا تتناسب مع مصالح الثنائي الشيعي والقوى المتحالفة مع هذا الثنائي.

ولكن، في المقابل، لم يعد من الممكن ايضاً التسليم برئيس موالٍ كلياً للنهج الغربي، وهذا ما يمكن ان يستشفّه المرء من الحديث الاخير الذي ادلى به رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ الى نقابتي الصحافيين والمحرّرين، حين عدّد مزايا وخصال الرئيس العتيد البعيدة كل البعد عن التحدّي والصدام وفرض الامور، وإلباس فرنجيّة عباءة الرجل التسووي والقريب من الجميع والقادر على فتح صفحة جديدة من دون استفزاز احد، والتقرب من اللاعبين المحليين والدوليين أكانوا عرباً ام اجانب بما يضمن تأمين انطلاقة جديدة للبلد على المستويات كافة.

تحركت العجلة السعوديّة بعد الاتّفاق مع ايران، ويبدو ان برّي عبّأ ايضاً محركه بالبنزين لانه اعاد تدويره، فيما سرّب رئيس الحكومة المستقيل ​نجيب ميقاتي​ اجواء ايجابية عن "ربيع لبنان" الذي بات قريباً، فيما خفّ الزخم الصادر عن القوى التي كانت تحت خيمة 14 آذار، وفترت همّتها، ولم يعد سقف كلامها عالٍ جداً كما كان، وهي كلّها مؤشّرات توحي بأنّ المياه الرئاسية لم تعد راكدة، انما لا يجب اعطاء الامور اكثر مما تحتمل في انتظار ان تتضح الثورة العامة لمفاعيل هذا الاتفاق والتي ستبدأ من دون شك في اليمن. وهذا يعني، انّ الوضع الحالي ينذر بالمقولة التالية: "اذا اردت ان تعرف ماذا في لبنان، يجب عليك ان تعرف ماذا في اليمن"، فإذا كانت خطوات التسوية سريعة في هذا البلد، فإن الامور ستنعكس سريعاً على لبنان وسوريا بطبيعة الحال، اما اذا كانت الوتيرة بطيئة فليس هناك من سيحركها بشكل اسرع في لبنان.

وعليه، بات من المنصف القول انه في ذكرى 14 آذار، ليس من انتصار ولا ينفع الترويج وذرّ الرماد في العيون من خلال تسويق اخبار وكلمات لا تمتّ الى الواقع بصلة تفيد بعكس ذلك، والافضل انتظار ما ستحمله التسويات التي بدأت بشائرها بين السعوديّة وايران لمعرفة الوتيرة التي ستتحرّك بها الامور في لبنان، بعيداً عن فوز 8 او 14 آذار، وخصوصاً ان التاريخين باتا في حكم النسيان ولم يعد تنفع محاولات اعادتهما الى الحياة.