ظهر حاكم ​مصرف لبنان​ ​رياض سلامة​ للمرة الاولى منذ فترة طويلة، وبشكل علني، وحضر الى قصر العدل للادلاء باقواله امام قضاة من لبنان واوروبا حول تهم موجهة اليه بالفساد وتهريب الاموال... واللافت ان التهمة تطال ايضاً شقيقه رجا وماريان مجيد الحويك، لكن التركيز بطبيعة الحال كان على رياض كون منصبه هو الاكثر اهميّة. بعد سنوات من الكلام والاتهامات، تبيّن فعليا وجود ملف اوروبي بحق سلامة، بغض النظر عما اذا كان سيصدر قرار بتبرئته او ادانته او تجميد الدعوى، وبات الحديث اليوم عن امكان شغور منصب حاكم مصرف لبنان قبل انتهاء الولاية، بعد ان اصبحت مسألة عدم عودته الى الحاكمية امر مفرغ منه.

من المنصف القول ان رياض سلامة ليس وحده من يتحمل مسؤولية ما وصل اليه لبنان واللبنانيون، ولا يمكن البت ايضاً بادانته قبل صدور الحكم الذي سيكشف الخيط الابيض من الاسود في هذا المجال. ولكن السؤال الاهم يبقى عن مصيره والمسؤولين اللبنانيين الآخرين في حال قرّر كشف ما يملكه من معلومات.

الواقع اللبناني يشير بما لا يقبل الشكّ انه حين تصل الامور الى اللاعبين المحليّين الكبار، تسقط كل المشاكل والسلبيّات كأوراق الشجر وتختفي بسحر ساحر، وغالباً ما يكون هذا الساحر الراعي الخارجي لهؤلاء المسؤولين والذي يتولّى لعب دور "الحامي" بالنسبة اليهم.

تعلّم اللبنانيون، من تجارب مؤلمة على مدى سنوات، انّ وصول الدعاوى القضائيّة الى خواتيمها المنطقيّة هو مجرّد احلام غير قابلة للتنفيذ، لذلك تراهم غير آبهين بالتطورات التي تحصل، حتى انهم يتبنّون السيناريو المتوقع للاحداث القضائيّة في هذا المجال، ومنها انه اذا كان دور سلامة قد انتهى بالفعل، فسيتمّ "ترحيله" الى الخارج حيث سيقضي ايام حياته بعيداً عن "الهمّ والغمّ" ومن دون شكوى، فيما سيبقى اللبنانيون يعيشون في عالم واقعي أليم يتجدّد فيه نفوذ المسؤولين عبر وجوه جديدة يطلقون الوعود بشأنها وتحظى برضا الخارج، فيما تعمل على السير على الطريق الذي تم انتهاجه سابقاً.

ومن السيناريوهات التي يطرحها اللبنانيون ايضاً، انه اذا كان لا بد من "ادانة" رياض سلامة، فقد تم التمهيد لذلك سلفاً عبر اشراك شقيقه رجا وماريان بالدعوى، لتخرج من كونها مسألة دولة الى اعتبارها مسألة تهرب من ضرائب او تهريب مبالغ مالية محدودة، اي بمعنى آخر، حصر الامور بمسائل شخصية بما يضمن عدم ضلوع اي اسماء سياسية او حزبية او مسؤولين حاليين وسابقين، وهي كلها امور تسهم في ابقاء لبنان في دهاليز الازمة المالية والاقتصادية التي يعاني منها والتي اشتدت منذ اكثر من ثلاث سنوات.

وسط كل هذه التطورات المتسارعة، هناك حقيقة ساطعة وهي ان ​الليرة اللبنانية​ باتت في المجهول، وبات من السهل الحديث عن ملايين الليرات لمعادلة مبلغ زهيد من الدولارات، فيما الواقع يزداد صعوبة على طبقة مهمة من اللبنانيين الذين يعانون لجمع الليرات على الرغم من فقدانها لقيمتها، وينظرون اليها وهي تصغر في ايديهم يوماً بعد يوم، من دون القدرة على مدها بالرعاية اللازمة لتستمر على قيد الحياة، ومن المؤكد انها لن تعود الى سابق عهدها، فيما يربط البعض مصيرها بمصير سلامة، فإذا رحل... رحلت.

لا شك ان لبنان سيطوي صفحة من حقبة طويلة حملت بصمات سلامة في سياساته المالية على مدى عقود من الزمن كانت فيها "الليرة بألف خير"، الى ان تفشى فيها فجأة "سرطان" هذه السياسات التي شارك فيها العدد الاكبر من المسؤولين والسياسيين اللبنانيين، مع غياب الامل في ان سماع المقولة الشهيرة عن الليرة، والاكتفاء ببوادر امل ان تبقى على اقله بخير.