لم يكن ينقص اللبنانيين سوى أزمة التوقيت. كان من المُفترض أن تنسجم قرارات رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي مع إسمه، كضابط للتوقيت، لكنّه أخلّ بمعادلة الزمن في بلد يُقاس الحُكم فيه على ميزان الجوهري، بسبب تركيبة لبنان العقائدية الدينية والسياسية.

كان يجب ان يبقى لبنان في أُطُره الزمنية، مراعاة ليس لحسابات الطوائف فيه فحسب، بل لدورة الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة ايضاً.

تصرف رئيس حكومة تصريف الاعمال كمسؤول عن طائفة وليس عن بلد. فهو يعرف ان اتّخاذ قرار بحجم إخراج لبنان عن التوقيت الدولي خدمة لطائفة واحدة سيثير ردود الفعل السياسية اولاً، التي تراقب اداءه وترى فيه خروجاً عن روحيّة الميثاق الوطني، خصوصاً انّ ميقاتي عقد سابقاً جلسات لمجلس الوزراء رغم معارضة القوى المسيحيّة الوازنة، مما إعتُبر أنّ قراره حالياً بشأن عدم تقديم الساعة هو خطوة ضمن سلسلة خطوات سياسية يعارضها المسيحيّون في لبنان.

سيزيد القرار من حجم الازمات، لكنّه سيغذّي الانقسامات اليومية في المجتمع اللبناني، لا سيما ان اعدادا كبيرة من المدارس والمؤسسات والمراكز الدينيّة والاقتصاديّة والاعلاميّة ستتعامل مع التوقيت الدولي لا مع توقيت رئيس حكومة تصريف الاعمال.

فهل عدنا الى ايام الحرب اللبنانيّة، حيث كان لكل مجموعة قرارتها؟ كان يُمكن لميقاتي التراجع عن قراره حفاظاً لما تبقى من انسجام وطني، لانّ البلد مأزوم ولا ينقصه مزيد من الخطوات الارتجالية غير المدروسة.

إنّ أقرب بلدٍ الينا سوريا تعتمد التوقيت الصيفي الدائم، وهي تضمّ اعداداً كبيرة من المسلمين تفوق بأضعاف عدد المسلمين الصائمين في لبنان.

اذا كان ميقاتي يعتبر انه يرفع رصيده السياسي عند المسلمين جرّاء هذا القرار، فإنّ الضرر الوطني اكبر بكثير من المنافع السّياسية المؤقتة. وهل كان احد رؤساء الحكومات السابقين سعد الحريري او تمام سلام او حسّان دياب ليقبل ان يُقدم على ما قام به ميقاتي بشأن الساعة؟ بالتأكيد لا.

ان المُستغرب ايضاً ان يوافق رئيس المجلس النيابي نبيه بري على خطوة ميقاتي لا بل يدفعه اليها، خصوصا ان رئيس المجلس كان يتجنّب اتخاذ اي قرار يستفزّ الطوائف في لبنان، ولا يُقدم على اي خطوة غير مدروسة تسبّب ازمات طائفية.

ان اتخاذ قرار تعارضه طوائف اساسية وقوى بحجم التوقيت سيقود الى توقيتين، ولذلك سيتمّ وضع عبارة عند كل موعد لأيّ مناسبة: بحسب التوقيت الدولي الصيفي، او بحسب توقيت ميقاتي-برّي الشتوي.

سيكون المواطنون اللبنانيون هم الضحيّة في اعمالهم ومدارس اولادهم ووظائفهم واعمال مؤسساتهم وموظفيهم وهواتفهم وساعاتهم واجتماعاتهم وعلاقاتهم وتواصلهم اليومي. لم يكن ينقصهم الا التوقيت الحكومي الذي يشدّهم الى الخلف، بينما العالم يتقدّم الى الامام.