تنص مقدمة الدستور اللبناني على أن "لا شرعية لأيّ سلطة تناقض العيش المشترك"، فكيف هو الحال بالنسبة إلى سلطة تُقدم على إتخاذ قرارات تؤدي إلى ما أدت إليه "أزمة" الساعة، التي فجرها رئيس حكومة تصريف الأعمال ​نجيب ميقاتي​ في الأيام الماضية، لا سيما بعد أن أخذت أبعاداً طائفية خطيرة على المجتمع.

إنطلاقاً من هذه التداعيات، التي تعود إلى القرار المتخذ نزولاً عند رغبة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، قد يكون من المفيد دعوة رئيس حكومة تصريف الأعمال إلى التفكير ملياً بما أدى إليه قراره، وربما "التشاور" مع بري أيضاً للبحث في كيفية المعالجة سريعاً، بسبب شراكتهما في المسؤولية عنه، على إعتبار أن المسؤولية تقع على عاتقهما في هذا الأمر.

في هذا الإطار، حُسن النية يفترض التأكيد على أن ميقاتي بات يدرك جيداً حجم تداعيات هذه الخطوة على حياة المواطنين وأعمالهم، لا سيما أن القسم الأكبر منهم بات عليه تسيير أموره وفق توقيتين مختلفين، فهناك من الناحية العملية من عليه أن يرتب شؤون عمله وفق التوقيت الذي اختارته المؤسسة التي يعمل بها، بالتزامن مع ترتيب أموره على أساس توقيت آخر، كالأب أو الأم الذي أو التي يتولى أو تتولى إيصال أولاده أو أولادها إلى المدرسة قبل الإنتقال إلى مركز عمله أو عملها، فما هو الحل الذي من الممكن إبتكاره في هذه الحالة؟.

بالإضافة إلى ما تقدم، من الطبيعي أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال يعلم أن القسم الأكبر من اللبنانيين بات مضطراً للعمل في أكثر من مؤسسة، لتأمين متطلبات العيش في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، وبالتالي عليه أن يفكر في كيفية معالجة الخلل الذي سينتج عن أزمة التوقيتين، في حال كانت كل مؤسسة تعتمد توقيتاً مختلفاً عن الأخرى، والأمر نفسه ينطبق على العلاقة بين المؤسسات نفسها، سواء كان ذلك على الصعيد المحلي أو على الصعيد الخارجي، فهل المطلوب أن يحمل كل مواطن معه ساعتين من أجل ترتيب أموره؟.

في الأيام الماضية، تحولت الانقسامات التي تشهدها البلاد حول هذه المسألة إلى مادة للسخرية بين المواطنين، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن المسألة أخطر من ذلك بكثير، الأمر الذي يفرض الدعوة من جديد إلى عدم التهاون أو الإستهتار في التعامل معها، وبالتالي المبادرة إلى معالجتها في الساعات المقبلة، أي قبل بداية الأسبوع، لأنّ المنطق يفرض أن يكون الهدف من أي قرار يصدر عن سلطة مسؤولة تسهيل حياة المواطنين لا تعقيدها أو جرّهم إلى هذا النوع من الإنقسامات، بسبب خطوات غلب عليها الطابع العشوائي أو الإرتجالي.

من هنا، على رئيس حكومة تصريف الأعمال المبادرة فوراً إلى العودة عن هذا الخطأ، إنطلاقاً من معادلة أن العودة عن الخطأ فضيلة، بدل المكابرة أو التفكير بالدخول في لعبة التصعيد التي لن تجر البلاد إلا إلى المزيد من الإنقسامات، خصوصاً أن هموم المواطنين أكبر من السجال القائم حول هذه المسألة.