أحيت اللجنة الاسقفية للحوار المسيحي - الاسلامي، وبدعوة من رئيسها المطران شارل مراد، عيد البشارة، بعنوان "نكرمك مريم" في قاعة كاتدرائية سيدة البشارة للسريان الكاثوليك المتحف، شارك فيه أمين سر السفارة البابوية المونسنيور جيوفاني بكييري ممثلا السفير البابوي في لبنان باولو بورجا، الشيخ الدكتور حسن مرعب ممثلا مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، رئيس مؤسسات العلامة محمد حسين فضل الله السيد علي فضل الله، الشيخ عامر زين الدين ممثلا شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى، وحضره النائب الرسولي للاتين في لبنان المطران سيزار اسايان، المعاون البطريركي للأرمن الكاثوليك المطران جورج أسادوريان، مطران بيروت وجبيل وتوابعهما للروم الكاثوليك جورج بقعوني، رئيس عام الرهبانية الأنطونية الأباتي مارون ابو جوده، رئيس مؤسسة كاريتاس لبنان الأب ميشال عبود وعدد من ممثلي المرجعيات الدينية والشخصيات الإجتماعية.

وفي كلمة له، اشار المطران مراد الى اننا "نجتمع في كل سنة حول أمنا العذراء لنؤكد أن لبنان هو الرسالة السماوية في التآلف والمحبة بين اهله على مختلف أديانهم. ان اللجنة الاسقفية للحوار المسيحي - الاسلامي ملتزمة بعيد البشارة كعيد جامع للبنانيين وهي تحرص على تقريب وجهات النظر. وتنظر إلى هذه المناسبة كيوم يراد منه أن يتعمم في كل أيامنا مع حسن النوايا والوصول إلى الأهداف المرجوة. وأن نكون أخوة متساوين في الحقوق والواجبات وننعم بوطن نهائي لجميع أبنائه".

أضاف: "نحن مدعوون مسيحيين ومسلمين إلى التعاضد والتكاتف والتعاون لبناء الوطن دولة الإنسان في لبنان. فلبنان أرض العيش المشترك القائم على التوازن من دون إقصاء لأحد، نعيش معا بمحبة متساوين في الحقوق، ويشارك شبابه مشاركة فعالة في حياة الوطن في كل أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مستذكرين رسالة يوحنا الأولى ( يو: 18:3): لا تكن محبتنا بالكلام أو باللسان بل بالعمل والحق هذا هو لبنان الرجاء".

بدوره، هنأ المونسنيور بكييري اللبنانيين بعيد البشارة، موضحا أهمية هذا العيد الروحية لتكريم مريم، وقال: "أن الفاتيكان ملتزم بلبنان الرسالة ويصلي دائما من أجله. وأنه على اضطلاع بكل ما يحدث ويصغي إلى كل اللبنانيين من دون استثناء وآمل أن يكون هناك حلول لكل المشاكل ببركة مريم، وأن يعود لبنان إلى دوره السابق كصلة وصل ليس فقط في الشرق بل في الشرق والغرب، فلبنان بحاجة الى كل أبنائه للنهوض".

ونقل الشيخ مرعب تحيات المفتي دريان للمشاركين في هذا اللقاء "الذي نجتمع فيه في ظل أزمات متعددة وصغوطات شديدة، فالبعض لا يترك فرصة للفراق الا ويسعى اليها، ونحن نقول في هذه المناسبة التي تجمعنا على احدى سيدات العالمين وسيدات الجنة السيدة مريم بأن يكون هذا اللقاء رسالة محبة وسلام. فمريم هي الأم الجامعة بين المسلمين والمسيحيين وهي المثال لكل المعاني الجميلة من حب وفضائل وسيرة حياة طاهرة".

بعد ذلك تلا الشيخ مرعب بشارة مريم من سورة آل عمران في القرآن الكريم.

وألقى السيد فضل الله كلمة قال فيها: "يسعدني أن أكون بينكم في هذا العيد لما للسيدة مريم من قداسة في نفوس المسلمين والمسيحيين وللموقع الذي بلغته عند الله سبحانه وتعالى وللدور الذي قامت به فقد حظيت برعاية الله لها منذ أن جاءت بها والدتها إلى بيت المقدس لتكون في خدمة هذا البيت وفاء للنذر الذي نذرته، وقد تقبلها الله حتى اصطفاها، وبعد ذلك جعلها الله موقعا لمعجزته التي تمثلت في ولادة السيد المسيح دون أب فكان له الدور الكبير في إخراج الناس من أنانياتهم وجشعهم وفي أن يعمق المحبة والتسامح في نفوسهم وفي الوقت نفسه أن يعزز فيهم الرفض لكل ظالم وطاغية وفاسد ويجعل منهم سدا منيعا في وجه من يريد أن يستغل الدين ويسخره لحسابه الشخصي او لمصالحه الذاتية"،

أضاف فضل الله: "ان عيد البشارة بالنسبة لنا ينبغي ان يكون مناسبة لاستعادة كل المعاني التي عاشتها السيدة مريم فهي تشكل لنا رجالا ونساء مثالا في الطهر والصفاء وفي الحنو وفي تحمل المسؤولية تجاه الإنسان والمجتمع، وعلى هذا الأساس فإن من أهم واجباتنا أن نعيش القيم التي جاء بها السيد المسيح وعمل لها ولأجلها وهو الذي عانى وضحى في سبيلها والتي جاء رسول الله ليستكملها والتي عبر عنها عندما قال: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، وهو في ذلك جاء مصدقا لما في التوراة والانجيل، إننا معنيون في هذه المرحلة بتعزيز هذه القيم في حياتنا الخاصة وفي مواقعنا الدينية وعلى صعيد الوطن، فلا يمكن ان نكون على هدى هذه القدوة الإيمانية والروحية التي تمثلها السيدة مريم ونحن نحمل الحقد والبغضاء والانانية والتعصب والانغلاق ولا يمكن أن نبني وطنا بالتنابذ والتحاقد وعدم القيام بالمسؤوليات الملقاة على عاتقنا والتي لا ينبغي أن تتوقف عند دوائرنا الطائفية والمذهبية ومواقعنا السياسية بل ان تمتد إلى كل دوائر حياتنا".

ولفت السيد فضل الله الى"إن أزمتنا في كل ما نعاني منه في الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي هو أزمة قيم نحن نعاني لان الأديان ابتعدت أو أبعدت عن القيام بدورها في ترسيخ القيم عندما تحولت إلى أداة من أدوات الصراع والشحن ضد الاخر المختلف معها، وعلى اسمها بتنا نتقاتل ونتصارع حتى قدسنا الحقد. إننا نريد من هذه المناسبة الروحية والوطنية أن تساهم في تعزيز العمل المشترك لتعزيز القيم الأخلاقية والإيمانية والإنسانية والوطنية التي باتت في مرمى الاستهداف من قبل الكثير من الذين يسعون لضربها واستبدالها بلغة المصالح الضيقة والمنافع الرخيصة. إننا لن نعاني من الدين حين نعيشه بصفائه وطهارته، نحن نعاني عندما حولناه إلى شكل وفرغناها من مضمونه أو عندما نأخذ منه ما يتناسب مع مصالحنا الفئوية لنبرر اخطاءنا. إننا نؤمن بان الدين جاء ليوحد لا ليفرق ليزرع المحبة لا الكراهية، وهذا هو ما نريد اليوم ان نتمثله وان نتشارك معا هذه القيم وانطلاقا مما تمثله السيدة مريم من صفاء وطهارة وما يمثله السيد المسيح من داعية للمحبة والحنو وما تميز به رسول الله الذي جاء رحمة للعالمين. إننا لا بد أن نستلهم في هذا العيد المبارك مشاعر الرحمة والمحبة والتسامح والمغفرة، لكي تساعدنا على التحرر من هذه الزنازين الطائفية والمذهبية التي سجنا أنفسنا بها ونعلن أن الإيمان بجناحيه المسلم والمسيحي إيمان واحد وأن تطلعاتنا وآمالنا واحدة".

وقال فضل الله: "اننا في هذه الأجواء المأساوية التي يعاني منها الوطن نريد من هذه المناسبة ان نستلهم من السيدة مريم كل قيم العطاء والتضحية وهو أكثر ما نحتاجه لتسري هذه الروح روح الخير والمحبة والتكافل والتضامن في النفوس وتتجلى في الأعمال الصالحة التي تخفف عن الفقراء والمستضعفين والمحتاجين، وأوجه كل الشكر لكل أركان الحوار الإسلامي ــ المسيحي وأشد على أياديكم لأبارك كل هذه الجهود والعطاءات، والتي لم تذهب هدرا، لقد أسستم تراثا غنيا في التقريب والحوار والتواصل، وإذا كان الأمل في أن نشهد الكثير من ثمراته في المستقبل، فإننا نشهد اليوم أحد أجمل ثمراته في هذا العيد المبارك، وأقول بحق: يكفيكم فخرا هذا الإنجاز التاريخي الذي صنعتموه، هذا الإنجاز هو محطة فاصلة بين تاريخ وتاريخ والذي منه وفي كل عام نستمد طاقة إيمانية وحافزا روحيا للمضي على هذا الدرب، درب الإيمان، ووحدة الإيمان جعله الله في ميزان أعمالكم"..

ونقل الشيخ زين الدين تحيات شيخ العقل وتهنئته بعيد البشارة، وقال:"تعالوا، وأنطلاقا من نظرة القداسة الاسلامية والمسيحية التي وهبها الله للسيدة مريم العذراء وجلال خصوصيتها التفضيلية، لكي نبني معا مسارا روحيا وحدويا، يتجسد في رسالة انسانية مطلقة، مرتكزة في إيمانها على المبادئ، وقيم احترام الكرامة البشرية والحرية والعيش المشترك والواحد، ونجمع قواسم جديدة، ومساحات تلاق، لتعزيز العلاقات بين المذاهب، بناء للعادات والتقاليد المشتركة والتعاليم الدينية السمحاء، انعكاسا لمحبة الله كأعظم مقامات العبادة والله محبة". أضاف: "لنجمع همومنا المشتركة، وأوضاع بلادنا، وحرية المعتقد والتعبير، والمواطنة الحقة المسؤولة. فنقوى على نشر الرجاء والأمل، وشهادتنا في الأرض، بمقتضيات الإيمان الروحي. كما ونشرع قلوبنا لأنوار الفرح، كي لا يغلبنا الإحباط، وشتى ثقافات العزلة والصدام والحروب. فنعزز شعور الانتماء إلى الإنسانية في ذواتنا، ونتشارك بتطلعاتنا المستقبلية نحو طريق الأخوة البشرية".

وكانت ترانيم لجوقة الانطونية ودعاء ونشيد مريمي لجوقة المبرات، فقراءة من إنجيل بشارة لوقا للمونسنيور رافائيل طرابلسي من أبرشية بيروت الكلدانية، فترنيمة بيزنطية للمونسنيور أندريه فرح من مطرانية بيروت للروم الكاثوليك، فتأمل حول مريم للأب بشارة ايليا، وختاما صورة تذكارية بالمناسبة.